**قصة مزمور ٨١: نداء الله لشعبه**
في أيامٍ قديمة، حين كانت قبائل إسرائيل تسير في البرية بعد خروجها من أرض مصر، كان الرب يُعلّم شعبه دروسًا عظيمة عبر الأحداث العجيبة التي صنعها أمام أعينهم. وكان من بين تلك الأحداث العيد الذي أُقيم في أول شهرٍ قمري، حين يُذكرون نعمة الله عليهم.
في تلك الأيام، عندما حلَّ الهلال الجديد، أُعلن عن بدء العيد. اجتمع الشعب حول خيمة الاجتماع، حيث كان الكهنة يهيئون أنفسهم لرفع الترانيم والقرابين. كان الجو مفعمًا بالبهجة والخشوع، ففي مثل هذا اليوم قديمًا، أنقذهم الرب من عبودية مصر.
فقال أحد الكهنة بصوتٍ عالٍ: “انفخوا بالبوق في رأس الشهر، في وقت العيد، في يوم فرحنا!” فرفع البوق إلى شفتيه ونفخ فيه نفخةً طويلةً ترنّمت في أرجاء المعسكر. فتهللت القلوب وارتفعت الأصوات بالحمد.
لكن وسط الفرح، كان هناك صوتٌ آخر، صوتٌ خفيٌّ لكنه قويٌّ، صوت الرب الذي يتكلم إلى قلوب شعبه. ففي تلك اللحظة، شعر النبي الذي كان يقف بين الجموع وكأن الرب يهمس في أذنه بكلماتٍ تفيض حبًا وتذكيرًا:
“اسمع يا شعبي فأحذرك، يا إسرائيل لو سمعت لي! لا يكن فيك إله غريب، ولا تسجد لإلهٍ أجنبيّ. أنا الرب إلهك الذي أصعدك من أرض مصر. افتح فاك فأملأه.”
توقف النبي لبرهة، وكأنه يسمع صدى صوت الرب يتجاوب في أعماقه. ثم أدار وجهه نحو الشعب وقال لهم: “اسمعوا كلام الرب، فإنه يتحدث إلينا اليوم كما كلّم آباءنا!”
فساد صمتٌ مفاجئ، وترك الجميع ضجيجهم ليصغوا. ثم واصل النبي نقل كلام الرب:
“لكن شعبي لم يسمع لصوتي، وإسرائيل لم يُرضني. فتركتهم لقساوة قلوبهم، ليمشوا في مشورات أنفسهم. لو أن شعبي سمع لي، لو أن إسرائيل سلك في طرقي، لكنت أسرعتُ وأخضعت أعداءهم، وأوجهت ضرباتي على مُضايقيهم!”
تأمل الشعب في هذه الكلمات، فتذكروا كيف أن آباءهم تمرّدوا في البرية، وكيف عبدوا العجل الذهبيّ بينما كان موسى على الجبل يتلقى الوصايا. فتألمت قلوبهم من الخزي.
ثم ختم النبي الكلام بصوتٍ حزينٍ لكنه ملؤه الرجاء: “كان الرب يطعمهم من أفضَل القمح، ومن صخرة العسل أشبعهم.”
ففهم الشعب أن الله، رغم كل شيء، ظل أمينًا في عهده. فهو يريد أن يباركهم، لكنهم يبتعدون عنه بقلوبهم القاسية. فبدأت أصوات التوبة تعلو، ورفعوا أيديهم نحو السماء طالبين الرحمة.
وهكذا، في ذلك العيد، تعلموا درسًا لن ينسوه: أن الفرح الحقيقي ليس في الطقوس وحدها، بل في الاستماع لصوت الرب والسير في طريقه. فإن فعلوا ذلك، فسيُشبعهم من خيراته، ويحميهم من أعدائهم، ويجعلهم شعبًا مقدسًا له إلى الأبد.
فهل نسمع نحن اليوم صوته كما أراد منهم أن يسمعوا؟