**قصة من سفر إشعياء: الفصل الأربعون**
في تلك الأيام، عندما كان شعب إسرائيل يعيش في المنفى في بابل، محمَّلًا بآثامهم وحزينًا بسبب ابتعادهم عن الله، جاءت كلمة الرب إلى النبي إشعياء لتعزيهم وتُعلن لهم رحمة الله العظيمة.
كان الجو ثقيلًا باليأس، والرياح تحمل أنين الأسرى الذين طال انتظارهم للخلاص. لكن فجأة، سُمع صوتٌ من السماء ينادي: **”عزُّوا، عزُّوا شعبي، يقول إلهكم. تكلَّموا إلى قلب أورشليم ونادوها بأن جهادها قد كمل، أن إثمها قد عُفي عنه، أنها قد قَبِلت من يد الرب ضعفين عن كل خطاياها.”**
كانت هذه الكلمات كالندى على أرضٍ قاحلة. فالنبي أعلن أن الوقت قد حان ليعود الشعب إلى الرب، لأن طريقًا جديدًا سوف يُفتح أمامهم. ثم ظهر صوت آخر يصرخ في البرية: **”أعدوا طريق الرب. قوِّموا في القفر سهلًا لإلهنا. كل وطاءٍ يرتفع، وكل جبلٍ وأكمةٍ ينخفض، ويصير المعوجُّ مستقيمًا، والعراقيب سهلاً. فيُعلن مجد الرب، ويرى كل بشرٍ معًا أن فم الرب قد تكلَّم.”**
عندها وقف إشعياء يتأمل عظمة الله، وكتب يقول: **”اصعدي على جبلٍ عالٍ، يا مُبشِّرة صهيون. ارفعي صوتك بقوة، يا مبشرة أورشليم. ارفعيه، لا تخافي. قولي لمدن يهوذا: هوذا إلهكم! هوذا السيد الرب بقوة يأتي، وذراعه تحكم له. هوذا أجرته معه، وعمله أمامه.”**
ثم تذكَّر النبي أن الشعب كان يشكُّ في عدل الله، فسأل: **”من قاس بكفِّه المياه، وحدَّد السموات بالشبر، وكال بالكيل تراب الأرض، ووزن الجبال بالميزان، والتلال بالميزان؟”** فأجاب نفسه: **”هوذا الأمم كنقطةٍ من دلو، وكغبار الميزان تُحسب. هوذا الجزائر يرفعها كدقيق. لبنان لا يكفي للوقيد، وحيوانه لا يكفي لمحرقة. كل الأمم كلا شيءٍ أمامه، وباطلًا وعَدَمًا محسوبة عنده.”**
ثم التفت إشعياء إلى الشعب المتعب وقال: **”فبمن تشبِّهون الله، وأي شبه تعادلون به؟”** لأن الله جالسٌ على كرسيِّ العرش، وسكان الأرض كالجندب الصغير. هو ينشر السموات كستارة، ويبسطها كخيمةٍ للسكن. هو يُبيد الرؤساء ويجعل قضاة الأرض كلا شيء. فبالكاد يُغرسون، وبالكاد يُزرعون، وبالكاد يتجذر غصنهم في الأرض، حتى ينفخ عليهم الرب فيذبلون، وتَحملهم العاصفة كالقش.
لكن مع كل هذه العظمة، فإن الله لا ينسى شعبه. فسأل إشعياء: **”لماذا تقول يا يعقوب، وتتكلم يا إسرائيل: ‘طريقي مخفيٌّ عن الرب، وحقي قد تجاوزه إلهي’؟”** ثم أجاب الرب: **”أما عرفت؟ أما سمعت؟ إن الرب إله سرمدي، خالق أطراف الأرض، لا يكلُّ ولا يعيا، وليس عن فحصه فهم. هو يُعطي المعيي قوة، ولعديم الطاقة يكثر شدة.”**
ثم وصف النبي رحمة الله بقوله: **”الفتيان يعيون ويتعبون، والأحداث يسقطون سقوطًا. أما منتظرو الرب فيجددون قوة. يرفعون أجنحة كالنسور. يركضون ولا يتعبون، يمشون ولا يعيون.”**
وهكذا، في وسط الظلام، أشرق نور الرجاء. لأن الرب، راعي إسرائيل الأمين، لا ينام ولا يغفل. هو يحمل خرافه على صدره، ويقودها برفقٍ إلى مراعٍ خضراء. فمهما بدت الطريق صعبة، فهو الذي يسير أمامهم، يُمهد الجبال وينير الظلام.
فليفرحوا، لأن الرب قادم بقوة، وكل عينٍ سترى خلاصه!