الكتاب المقدس

بولس في أورشليم: شهادة وسط الاضطهاد

**قصة بولس في أورشليم: سفر أعمال الرسل 21**

كان الجوّ دافئًا حين اقترب بولس ورفاقه من مدينة أورشليم، بعد رحلة طويلة شاقة عبروا فيها مدنًا كثيرة، ناقلين بشارة الإنجيل إلى اليهود والأمم على حد سواء. كانت الشمس تميل نحو الغروب، ملوّحة بأشعتها الذهبية على أسوار المدينة المقدسة، التي بدت شامخة وكأنها تلامس السماء. كان بولس يشعر بثقلٍ في قلبه، ليس من التعب، بل من معرفته بأنّ رحلته هذه لن تكون كسابقاتها.

قبل وصولهم، توقفوا في مدينة قيصرية، حيث نزلوا في بيت فيلبس المُبشّر، أحد السبعة شمامسة. وكانت له أربع بنات عذارى يتنبأن. وفيما هم هناك، جاء من اليهودية نبي اسمه أغابوس، فقام بحركة رمزية قوية: أخذ زنار بولس وربط به يديه ورجليه، ثم قال بالروح: «هكذا يقول الروح القدس: الرجل الذي له هذا الزنار سيربطه اليهود هكذا في أورشليم ويسلمونه إلى أيدي الأمم».

عندما سمع الرفقة هذا الكلام، انزعجوا جدًا وأخذوا يتوسلون إلى بولس ألا يصعد إلى أورشليم. لكن بولس، الذي كان قلبه مملوءًا بشجاعة الروح القدس، أجابهم: «لماذا تبكون وتكسرون قلبي؟ أنا مستعد ليس أن أُربط فقط، بل أن أموت أيضًا في أورشليم من أجل اسم الرب يسوع». فلما رأوا أنهم لا يقدرون أن يُقنعوه، سكتوا قائلين: «لتكن مشيئة الرب».

**الوصول إلى أورشليم**

دخل بولس ورفاقه المدينة وسط حشود من الحجاج اليهود الذين أتوا للاحتفال بعيد الخمسين. وكان معهم بعض المؤمنين من الأمم، مما أثار دهشة اليهود الذين رأوا بولس برفقة أناس كانوا يعتبرونهم نجسين. توجه بولس أولًا إلى بيت يعقوب، أخي الرب، ورئيس الكنيسة في أورشليم، حيث كان الشيوخ مجتمعين. فحياهم بولس بحرارة، ثم شرع يحكي بتفصيلٍ عما عمله الله بين الأمم خلال خدمته.

استمع الجميع بفرح، لكنّ بعضًا منهم كانوا قلقين من سمعة بولس بين اليهود المؤمنين، الذين ظلوا غيورين على الناموس. فقالوا له: «أيها الأخ، ترى كم ألوف من اليهود الذين آمنوا، وهم جميعًا غيورون للناموس. وقد أُخبروا عنك أنك تعلّم جميع اليهود الذين بين الأمم الارتداد عن موسى، قائلًا أن لا يختنوا أولادهم ولا يسلكوا حسب العوائد. فماذا يكون؟ سيسمعون أنك قد جئت. لذلك افعل ما نقول لك: عندنا أربعة رجال عليهم نذر، خذهم وتطهّر معهم، وانفق عليهم ليحلقوا رؤوسهم، فيعلم الجميع أن ليس شيء مما أُخبروا عنك، بل تسلك أنت أيضًا حافظًا للناموس».

وافق بولس على ذلك، ليس خوفًا، بل من أجل ضمائر الضعفاء، كما كتب لاحقًا في رسائله. فأخذ الرجال، وتطهّر معهم، ودخل الهيكل ليعلن أيام التطهير.

**الفتنة في الهيكل**

لكنّ بعض اليهود من آسيا، الذين كانوا يعادون بولس، رأوه في الهيكل، فأثاروا الجموع عليه، قائلين: «أيها الرجال الإسرائيليون، أعينوا! هذا هو الرجل الذي يعلّم الجميع في كل مكان ضد الشعب والناموس وهذا الموضع! وقد أدخل يونانيين أيضًا إلى الهيكل ودنس هذا المكان المقدس!».

وكانوا قد رأوا قبلاً بولس في المدينة مع تروفيمس الأفسسي، وهو أممي، فظنوا أنه أدخله إلى الهيكل، وهو ما لم يحدث. فاشتعلت الفتنة، واجتمع الناس وأمسكوا ببولس وجروه خارج الهيكل، فأغلقت الأبواب حالًا.

وفيما هم يضربونه ويحاولون قتله، وصل خبر إلى قائد الألف الروماني أن أورشليم كلها في اضطراب. فأخذ جنوده وجاء مسرعًا إلى المكان. فلما رأى الجند الرومان، توقفوا عن ضرب بولس. فأخذ القائد بولس وأمر أن يربط بسلسلتين، ثم سأل: «من هو هذا، وماذا فعل؟».

لكنّ الجموع كانت تصرخ بأصوات متضاربة، بعضهم يقول شيئًا وبعضهم آخر، حتى لم يستطع القائد أن يعرف الحقيقة بسبب الشغب. فأمر أن يُحمل بولس إلى المعسكر. وعندما وصلوا إلى السلم، اضطر الجنود أن يحملوه بسبب عنف الجمع، الذي كان يصرخ: «خذه بعيدًا!».

**بولس يدافع عن نفسه**

وقبل أن يُدخل إلى المعسكر، التفت بولس إلى القائد وسأله: «أيجوز لي أن أكلمك؟». فتعجب القائد وقال: «أتعرف اليونانية؟ ألست أنت المصري الذي أثار قبلاً فتنة وقاد أربعة آلاف من القتلة إلى البرية؟».

أجاب بولس: «أنا يهودي، طرسوسي، مواطن من مدينة ليست بدون اسم، أطلب منك أن تسمح لي لأكلم الشعب».

فأذن له القائد، فوقف بولس على الدرج وأشار بيده إلى الجموع، فساد صمت عظيم. ثم خاطبهم باللغة العبرانية قائلًا: «أيها الرجال الإخوة والآباء، اسمعوا دفاعي الآن أمامكم!».

وهكذا بدأ بولس يحكي قصته، كيف كان يهوديًا غيورًا اضطهد كنيسة الله، ثم كيف التقى بالرب يسوع في الطريق إلى دمشق، وكيف تغيرت حياته تمامًا. استمع الناس في بادئ الأمر، لكن عندما ذكر أن الرب أرسله إلى الأمم، عادوا يصرخون: «خذه من الأرض! إنه لا يستحق أن يعيش!».

أمر القائد بإدخاله إلى المعسكر، عازمًا على استجوابه بالجلد ليعرف سبب هذه الضجة. لكن عندما ربطوه ليجلدوه، قال بولس للقائد: «أيجوز لكم أن تجلدوا إنسانًا رومانيًا وهو غير محكوم عليه؟».

فخاف القائد، لأن ربط روماني دون محاكمة كان جريمة كبرى. وهكذا بدأت رحلة بولس الجديدة، كسجين، لكنّه ظلّ شاهدًا للمسيح حتى في السلاسل، تمامًا كما تنبأ الروح القدس.

وهكذا، في خضم الأزمات، كان الله يعمل، محوّلًا السجن إلى منبر، والاضطهاد إلى فرصة لسماع الإنجيل.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *