**قصة بناء هيكل سليمان: مجد وعظمة بيت الرب**
في تلك الأيام، عندما تمكّن الملك سليمان من توطيد مملكته، وعندما منحه الرب حكمة وفهماً عظيماً، عزم على بناء هيكلٍ عظيمٍ لاسم الرب إله إسرائيل. فقد كان قلبه مشتاقاً أن يُقيم مسكناً ليّن فيه مجد الرب، كما وعد داود أبيه. فجمع سليمان أمهر البنّائين والحرفيين من جميع أنحاء المملكة، وأمر باستجلاب أجود المواد: الذهب الخالص، والفضة، والنحاس، وأحجار كريمة من كل نوع.
وبحسب ما جاء في سفر أخبار الأيام الثاني، الإصحاح الرابع، بدأ العمل في صنع كل ما يلزم للهيكل. فأمر سليمان بصنع **مذبح النحاس**، الذي كان عظيماً في حجمه، حيث كان طوله عشرين ذراعاً، وعرضه عشرين ذراعاً، وارتفاعه عشر أذرع. وكان هذا المذبح مكاناً لتقديم المحرقات للرب، حيث يصعد الدخان علامةً للعبادة والقبول.
ثم جاء دور **البحر النحاسي**، وهو عملٌ فنيٌّ عجيب. فقد صُنع من النحاس المصقول، وكان دائري الشكل، قطره عشر أذرع، وارتفاعه خمس أذرع، ويحيط به حافّةٌ مزخرفةٌ على شكل زنابق. وكان البحر يرتكز على اثني عشر ثوراً من النحاس، ثلاثة تتجه نحو الشمال، وثلاثة نحو الغرب، وثلاثة نحو الجنوب، وثلاثة نحو الشرق، وجميعها تنظر إلى الخارج كعلامةٍ على أن بركات الرب ستفيض إلى كل الجهات. وكان هذا البحر يستخدم لتطهير الكهّان، حيث يغسلون فيه أيديهم وأرجلهم قبل الخدمة في الهيكل، رمزاً للتطهير من الدنس والاستعداد للوقوف أمام القدوس.
أما **المراحض العشرة**، فقد وُزّعت خمسة منها على يمين الهيكل، وخمسة على يساره. كانت مصنوعةً من النحاس اللامع، ومزخرفةً بنقوشٍ بديعةٍ من أسودٍ وثيرانٍ وكروبيم. وكانت هذه المراحض تستخدم لغسل ما يُقدَّم من ذبائح، حيث يُطهَّر اللحم والمعدات قبل تقديمها على المذبح. وكانت دقة الصنعة تدلّ على قداسة الخدمة، فلا شيء يُقدَّم للرب إلا بأفضل ما يكون.
أما داخل الهيكل، فقد زُيّن **بالمجمرات الذهبية**، **والشمعدانات الذهبية** العشرة، التي كانت تضيء المكان ببهاءٍ يشعّ كالنور الإلهي. وكان كل شمعدانٍ يحمل سبعة سرج، ترمز إلى اكتمال نور الرب الذي ينير شعبه. وكانت **الموائد** المعدّة لخبز الوجوه مصنوعةً من خشب السنط المغشّى بالذهب، حيث يوضع عليها خبز الوجوه الطاهر، علامةً على حضور الرب واهتمامه بشعبه.
ولم تُنسَ **المراوح والمناشل والصحون والملاقط**، فكلها صُنعت من الذهب الخالص، حتى أدق الأدوات كانت مصنوعةً بدقةٍ وإتقان. فالهيكل لم يكن مجرد بناءٍ حجري، بل كان تحفةً تُمجّد الرب، حيث كل قطعةٍ فيه تروي قصة العبادة والطاعة.
وعندما اكتمل كل شيء، وقف سليمان وكهنة الرب أمام الهيكل، ورفعوا أصواتهم بالصلاة والتسبيح، فامتلأ البيت من سحاب مجد الرب، حتى لم يستطع الكهنة أن يقفوا للخدمة من شدّة بهاء الحضور الإلهي. وهكذا تحقّقت وعود الرب، وأصبح الهيكل موطناً لاسمه العظيم، ومكاناً تُرفع فيه الصلوات، وتُقدَّم فيه الذبائح، حتى يأتي اليوم الذي يُقام فيه هيكل أعظم، ليس من حجرٍ ونحاس، بل من جسدٍ حيٍّ، هو جسد المسيح، الذي فيه يُعبَد الآب بالروح والحق.
وهكذا، بقيت قصة هيكل سليمان تذكيراً للأجيال بأن الرب يسكن في وسط شعبه، ويطلب العبادة بالروح والقداسة، لأن “مجد الرب ملء الأرض كلها”.