**قصة المثل عن الخروف الضال (متى 18)**
في تلك الأيام، اجتمع التلاميذ حول يسوع وسألوه: “يا معلم، من هو الأعظم في ملكوت السماوات؟” فدعا يسوع طفلاً صغيراً وأوقفه بينهم، ثم قال بصوته الهادئ العميق: “الحق أقول لكم، إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد، فلن تدخلوا ملكوت السماوات. فمن وضع نفسه مثل هذا الطفل، فهو الأعظم في ملكوت السماوات.”
كان الطفل واقفاً بثيابه البسيطة، عيناه بريئتان وقلبه مملوء ثقة. أمسك يسوع بيده الصغيرة، ثم نظر إلى التلاميذ وقال: “ومن قبل ولداً واحداً مثل هذا باسمي، فقد قبلني أنا. ولكن من أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي، فخير له أن يُعلق في عنقه حجر الرحى ويُغرق في أعماق البحر.”
كانت كلماته ثقيلة كالصخر، وعيون التلاميذ تلمع بالذهول. ثم استمر يسوع قائلاً: “ويل للعالم من العثرات! فلا بد أن تأتي العثرات، ولكن ويل لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة!” ثم رفع إصبعه نحو السماء، وعيناه تشتعلان بنار القداسة: “إن كانت يدك أو رجلك تعثرك، فاقطعها وألقها عنك. خير لك أن تدخل الحياة أقطع أو أعرج، من أن تلقى في النار الأبدية ولكلاكما. وإن كانت عينك تعثرك، فاقلعها وألقها عنك. خير لك أن تدخل ملكوت الله أعور، من أن تلقى في جهنم حيث الدود لا يموت والنار لا تطفأ.”
ساد صمت عميق بين الحاضرين، وكأن ريحاً قوية مرت على أرواحهم. ثم تغيرت نبرة صوت يسوع، فصار حنوناً كأبٍ يجمع أولاده، وقال: “انظروا، لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار، لأني أقول لكم إن ملائكتهم في السماوات كل حين ينظرون وجه أبي الذي في السماوات.”
ثم ابتسم يسوع ابتسامة عطوفة، وبدأ يحكي لهم مثلاً عظيماً: “ماذا تظنون؟ إن كان لإنسان مئة خروف، فضل واحد منها، أفلا يترك التسعة والتسعين على الجبال ويذهب يطلب الضال؟ وإذا حدث أن وجده، فالحق أقول لكم إنه يفرح به أكثر من التسعة والتسعين التي لم تضل. هكذا ليست مشيئة أمام أبيكم الذي في السماوات أن يهلك أحد هؤلاء الصغار.”
تخيل التلاميذ الراعي الأمين، يترك قطيعه على التلال الخضراء، ويغامر في الوديان المظلمة والجبال الوعرة بحثاً عن الخروف الضال. يراه التلاميذ بعيون قلوبهم، وهو يحمل الخروف الجريح على كتفيه، عائداً إلى القطيع بفرح عظيم.
ثم أضاف يسوع كلمة حكيمة: “وإن أخطأ إليك أخوك، فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما. إن سمع منك، فقد ربحت أخاك. وإن لم يسمع، فخذ معك واحداً أو اثنين، لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين أو ثلاثة. وإن لم يسمع منهم، فقل للكنيسة. وإن لم يسمع من الكنيسة، فليكن عندك كالوثني والعشار.”
كانت كلماته واضحة كالنور، تُعلّمهم كيف يحفظون وحدة الإخوة. ثم أكمل قائلاً: “الحق أقول لكم، كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء.”
ثم نظر يسوع إلى بطرس، الذي كان يبدو عليه التفكير العميق، وقال: “وأقول لكم أيضاً، إن اتفق اثنان منكم على الأرض في أي شيء يطلبانه، فإنه يكون لهما من قبل أبي الذي في السماوات. لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم.”
فتقدم بطرس وسأل: “يا رب، كم مرة يخطئ إلي أخي وأنا أغفر له؟ هل إلى سبع مرات؟” فأجابه يسوع: “لا أقول لك إلى سبع مرات، بل إلى سبعين مرة سبع مرات!”
ثم أردف يسوع بمثل آخر، ليوضح لهم عمق المغفرة: “لذلك يشبه ملكوت السماوات ملكاً أراد أن يحاسب عبيده. فلما ابتدأ بالمحاسبة، قُدم إليه واحد مديون بعشرة آلاف وزنة. وإذ لم يكن له ما يوفي، أمر سيده أن يباع هو وامرأته وأولاده وكل ما له لوفاء الدين. فخر العبد وسجد قائلاً: يا سيد، تمهل عليّ فأوفيك الجميع!”
توقف يسوع للحظة، ونظر إلى عيون التلاميذ المليئة بالتعاطف، ثم أكمل: “فتحنن سيد ذلك العبد وأطلقه وترك له الدين. ولكن ذلك العبد خرج فوجد واحداً من العبيد رفقائه كان مديوناً له بمئة دينار، فأمسكه وأخذ بخناقه قائلاً: أوفني ما لي عليك!”
ارتعشت شفاه التلاميذ من القسوة، واستمر يسوع: “فخر العبد الرفيق على قدميه وطلب إليه قائلاً: تمهل عليّ فأوفيك الجميع. فلم يرد، بل مضى وألقاه في سجن حتى يوفي الدين!”
ثم تغيرت نبرة صوت يسوع إلى صوت دينونة: “فلما رأى العبيد رفقاؤه ما كان، حزنوا جداً، وأتوا إلى سيدهم واخبروه بكل ما جرى. فدعاه سيده وقال له: أيها العبد الشرير، كل ذلك الدين تركته لك لأنك طلبت إليّ. أفما كان ينبغي أنك أنت أيضاً ترحم العبد الرفيقك كما رحمتك أنا؟”
رفع يسوع صوته قليلاً، كالرعد البعيد: “فغضب سيده وسلمه إلى المعذبين حتى يوفي كل ما كان عليه. فهكذا أبي السماوي يفعل بكم أيضاً إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته.”
انتهى يسوع من كلامه، وبقي التلاميذ صامتين، تائهِين في عمق المعنى. فهموا أن المغفرة ليست مجرد عدد، بل هي حالة قلب تشبه قلب الله الذي يغفر بلا حدود. وهكذا علمهم يسوع أن طريق العظمة في ملكوت السماوات هو التواضع والمحبة والمغفرة التي لا تنتهي.