الكتاب المقدس

قصة النبي إرميا والملك صدقيا: اختيار بين الحياة والموت

**قصة النبي إرميا والملك صدقيا: الاختيار بين الحياة والموت**

في أيام حكم الملك صدقيا بن يوشيا، ملك يهوذا، كانت أورشليم تمر بأيام عصيبة. فقد حاصرها نبوخذنصر، ملك بابل، بجيش عظيم، وأحاط بها من كل جانب. الخوف يعتصر قلوب السكان، والجوع بدأ يضرب بشدة، والملك صدقيا كان في حيرة من أمره. هل يقاوم؟ هل يستسلم؟ أين هو خلاص الرب؟

فأرسل الملك صدقيا رسلاً إلى النبي إرميا، رجل الرب الأمين، طالباً منه أن يسأل الرب نيابة عن الشعب. وكان بين الرسل فشحور بن ملكيا، الذي كان يعرف إرميا جيداً. قالوا لإرميا: “اسْأَلِ الرَّبَّ عَنَّا، لأَنَّ نَبُوخَذْنَصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ يُحَارِبُنَا. لَعَلَّ الرَّبَّ يَعْمَلُ مَعَنَا كَأَعْمَالِهِ الْعَجِيبَةِ كُلِّهَا، فَيَصْعَدَ عَنَّا!”

وقف إرميا في حضرة الرب، مصلياً بقلب مكسور. وكانت كلمة الرب إليه قاسية ولكنها صادقة. فأمره الرب أن يذهب إلى الملك صدقيا ويقول له:

“هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: هَا أَنَا أَرُدُّ أَسْلِحَةَ الْحَرْبِ الَّتِي فِي أَيْدِيكُمْ، الَّتِي أَنْتُمْ تُحَارِبُونَ بِهَا مَلِكَ بَابِلَ وَالْكَلْدَانِيِّينَ الَّذِينَ يُحَاصِرُونَكُمْ خَارِجَ السُّورِ، وَأَجْمَعُهَا إِلَى وَسَطِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ. وَأَنَا أُحَارِبُكُمْ بِيَدٍ مَمْدُودَةٍ وَبِذِرَاعٍ قَوِيَّةٍ، وَبِغَضَبٍ وَبِحُمُوٍّ وَبِسَخَطٍ عَظِيمٍ!”

كانت الكلمات كالسيف القاطع. فبدلاً من أن يمنحهم الرب النصر، كان سيقاتل ضدهم! لأنهم تركوه واتكلوا على قوتهم الذاتية وعلى تحالفاتهم الفاسدة.

ثم تابع الرب كلامه عبر إرميا:

“وَأَضْرِبُ سُكَّانَ هَذِهِ الْمَدِينَةِ: النَّاسَ وَالْبَهَائِمَ. بِالْوَبَإِ الْعَظِيمِ يَمُوتُونَ!”

لكن الرب، في رحمته، أعطاهم خياراً. فقال لهم:

“هَا أَنَا أَجْعَلُ أَمَامَكُمْ طَرِيقَ الْحَيَاةِ وَطَرِيقَ الْمَوْتِ. الَّذِي يَثْبُتُ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ يَمُوتُ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ. وَأَمَّا الَّذِي يَخْرُجُ وَيَسْتَسْلِمُ لِلْكَلْدَانِيِّينَ الَّذِينَ يُحَاصِرُونَكُمْ، فَإِنَّهُ يَحْيَا وَتَكُونُ لَهُ نَفْسُهُ غَنِيمَةً!”

كان الاختيار واضحاً: البقاء في المدينة يعني الموت، والخروج والاستسلام يعني الحياة. لكن صدقيا وقادة الشعب كانوا متكبرين، فرفضوا كلمة الرب.

وفي النهاية، تحققت نبوة إرميا. سقطت أورشليم، واحترق الهيكل، واقتيد الملك صدقيا مكبلاً إلى بابل بعد أن رأى أبناءه يُذبحون أمام عينيه. أما الذين استسلموا للكلدانيين، فقد نالوا الرحمة وعاشوا.

هكذا كان الرب أميناً في تحذير شعبه، لكنهم اختاروا طريق الكبرياء فجلبوا على أنفسهم الدمار. أما من يسمع صوت الرب ويخضع له، فيجد الحياة حتى في وسط الدينونة.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *