**قصة كالب بن يفنة وميراثه في أرض الموعد**
في تلك الأيام، بعد أن قاد يشوع بن نون شعب إسرائيل عبر نهر الأردن إلى أرض الموعد، وبدأت القبائل تتلقى نصيبها من الأرض، جاء كالب بن يفنة، أحد العظماء بين الجواسيس الذين أرسلهم موسى من قبل، ووقف أمام يشوع وكبار شيوخ إسرائيل في شيلوه.
كان كالب رجلاً قد تقدم في السن، لكن عينيه كانتا تشعان بإيمان قوي وعزيمة لا تلين. تذكر الأيام الخوالي، حين كان في الأربعين من عمره، عندما أرسله موسى مع أحد عشر جاسوساً آخرين ليتجسسوا على أرض كنعان. لقد رأى بعينيه المدن الحصينة والعمالقة، أبناء عناق، الذين كانوا كالجبال في طولهم وقوتهم. لكن حين عاد الجواسيس، عشرة منهم أخذوا يبثون الخوف في قلوب الشعب، قائلين: “لا نقدر أن نصعد إلى الشعب لأنهم أقوى منا!”
أما كالب ويشوع، فقد ثبتا في إيمانهما بالرب. صرخ كالب أمام الجميع: “لنصعد حالاً ونمتلك الأرض، لأننا قادرون عليها!” لكن الشعب لم يصدق، فحكم الرب عليهم بالتيه في البرية أربعين سنة حتى هلك الجيل غير المؤمن.
والآن، بعد خمسة وأربعين عاماً، وقف كالب أمام يشوع، الذي كان شاباً يومها وأصبح الآن القائد العظيم لإسرائيل. رفع كالب صوته، وقال:
“أنت تعلم ما كلم به الرب موسى، رجل الله، من جهتي أنا وأنت في قادش برنيع. كنت في الأربعين من عمري حين أرسلني موسى لأتجسس الأرض، وأعود إليه بكلمة حق. وإخوتي الذين صعدوا معي أذابوا قلب الشعب، أما أنا فاتبعت الرب إلهي تماماً. فحلف موسى يومئذٍ قائلاً: ‘إن الأرض التي داستها قدمك تكون ميراثاً لك ولأولادك إلى الأبد، لأنك كملت في اتباع الرب إلهي.’
والآن، ها قد أبقاني الرب على قيد الحياة، كما وعد، هذه خمسة وأربعون سنة منذ تكلم الرب بهذا الكلام إلى موسى، حين كان إسرائيل يتيه في البرية. وها أنا اليوم في الخامسة والثمانين من عمري، وما زلت قوياً كما كنت يوم أرسلني موسى. كما كانت قوتي حينئذٍ، كذلك قوتي الآن للحرب وللخروج وللدخول. فالآن أعطني هذا الجبل الذي تكلم عنه الرب في ذلك اليوم، لأنك سمعت في ذلك اليوم أن العمالقة هناك، والمدن كبيرة وحصينة. لعل الرب يكون معي فأطردهم، كما تكلم الرب.”
فتأخذ يشوع كلمات كالب إلى قلبه، وباركه أمام الجميع. ثم قال له: “نعم، لك يكون هذا الجبل ميراثاً، لأنك ملأت قلبك بإيمان بالرب. اذهب وامتلكه، كما وعدك الرب.”
فذهب كالب إلى حبرون، المدينة العظيمة التي كانت مسكن العمالقة، حيث عاش أخيمان وشيشاي وتلماي، أبناء عناق. لكن كالب لم يخف، لأنه كان يعلم أن الرب معه. فحاربهم وطردهم من الأرض، واستولى على حبرون ميراثاً له ولأبنائه من بعده.
وهكذا تمت كلمة الرب التي وعد بها كالب، الرجل الذي اتبع الرب من كل قلبه. فأعطاه الأرض التي وطئتها قدماه، وصارت حبرون ميراثاً أبدياً لنسله، تذكاراً لإيمانه الثابت وثقته في مواعيد الله.
**الخلاصة الروحية**
قصة كالب تذكرنا بأن الله لا ينسى وعوده لأولئك الذين يثقون به ويتبعونه بإخلاص. رغم التحديات والانتظار الطويل، فإن إيمان كالب لم يضعف، بل ظل ثابتاً كالجبل الذي طلب أن يمتلكه. وهكذا، لكل من يثق بالرب ويصبر على وعوده، فإن الميراث الروحي والعظيم ينتظره، لأن الله أمين ولا يخلف وعده أبداً.