**قصة أيوب: تساؤلات القلب البشري أمام أسرار الله**
في أيامٍ قديمة، في أرض عوص، كان هناك رجلٌ بارٌ يُدعى أيوب. كان مشهورًا بتقواه وخوفه من الله، لكنه تعرض لاختبارٍ عظيمٍ أثار في قلبه تساؤلاتٍ عميقة عن عدل الله في هذا العالم. وفي أحد الأيام، بينما كان أيوب جالسًا مع أصدقائه الذين جاءوا لتعزيته، تكلّم بكلماتٍ تعبّر عن حيرته أمام طرق الله الغامضة.
### **تساؤل أيوب: لماذا ينجو الأشرار؟**
رفع أيوب عينيه نحو السماء، ثم التفت إلى أصدقائه وقال:
“اسمعوا كلماتي بدقة، فهي تعبّر عن حيرتي. لماذا يعيش الأشرار في راحةٍ وازدهارٍ بينما الأبرار يعانون؟ انظروا إلى الأشرار، كيف تنمو ثرواتهم وكيف تزداد قوتهم!
إنهم يعيشون سنواتٍ طويلةً في سلام، وأبناؤهم ينشؤون حولهم كالنباتات الغضّة. بيوتهم آمنة من الخوف، وعصا الله لا تقع عليهم. ماشيتهم تلد ولا تفقد أطفالها، وغنمهم تتكاثر في المراعي. يخرج أولادهم للعب كالحملان، ويرقص أبناؤهم كالطيور المغردة. يقضون أيامهم في الفرح، وفي لحظة ينزلون إلى الهاوية بسلام!
ويقولون لله: ‘ابعد عنا، فنحن لا نريد معرفة طرقك! من هو القدير حتى نعبده؟ وما الفائدة من أن نصلّي له؟’ لكنّ خيراتهم ليست بأيديهم، فمشورة الأشرار بعيدة عني!”
### **حيرة البشر أمام عدل الله**
ثم توقف أيوب للحظة، وتنهد بعمق قبل أن يكمل:
“كم مرة ينطفئ مصباح الأشرار، وتأتي عليهم المصائب، ويقسم الله لهم بالغضب؟ كم مرة يصبحون كالقش أمام الريح، وكالعصافة التي تذروها الزوابع؟
يقول البعض: ‘الله يخزّن عقاب الأشرار لأبنائهم!’ لكن ليُعاقَبَ الشرير نفسه ليعرف غضب الله! ماذا يهمّه إن عاقب الله أبناءه من بعده؟ أليس هو الذي يجب أن يذوق عقاب خطيئته؟
أين هي حكمة الله في كل هذا؟ إن الإنسان العابر لا يستطيع أن يفهم أسرار القدير. فالبعض يموتون في عزّ قوتهم، مطمئنين تمامًا. والبعض الآخر يموتون بمرارة النفس، دون أن يتذوقوا خيرًا. لكنّ الجميع يرقدون معًا في التراب، والدود يغطيهم!”
### **تحذير أيوب من الحكم على الآخرين**
ثم أشار أيوب بأصابعه نحو أصدقائه، وقال بنبرة حازمة:
“كيف تعزّونني بكلامٍ باطل؟ أتعرفونكم أنتم أكثر من الله؟ احذروا، لأنّ نفوس الأشرار قد لا تُمسَكُ في يوم الدينونة كما تظنون! من يستطيع أن يقف أمام الله ويقول له: ‘أنت ظالم!’ من يستطيع أن يسأله: ‘لماذا تدع الأشرار ينجون؟’
انظروا إلى السحب والرياح، هل تفهمونها؟ وهل تعرفون كيف يدبّر الله كل شيء في السماء والأرض؟ فكيف تجرؤون أن تحكموا على الأبرار والأشرار بجهلٍ، وكأنّكم تفهمون كل أسرار الله؟”
### **خاتمة: التواضع أمام الغموض الإلهي**
سكت أيوب، وأدار وجهه نحو الصحراء البعيدة. كان قلبه مثقلًا بالتساؤلات، لكنّ إيمانه بالله لم يهتز. عرف أن طرق الله أعلى من طرق البشر، وأحكم من فهمهم. ربما لا يستطيع أن يرى الحكمة الكامنة وراء معاناة الأبرار ونجاة الأشرار الآن، لكنّه يثق بأن العدل الإلهي سيتجلّى في الوقت المناسب.
وهكذا، بقيت تساؤلات أيوب معلّقة بين الأرض والسماء، تذكّرنا بأنّ الإنسان محدود، وأنّ أسرار الله عظيمة. ففي النهاية، “طريقي ليس كطريقكم، وأفكاري ليست كأفكاركم، يقول الرب.”