الكتاب المقدس

قصة يسوع في الهيكل من إنجيل مرقس ١٢

**القصة التفصيلية من إنجيل مرقس 12**

في أحد الأيام، بينما كان يسوع يعلّم في الهيكل المقدس في أورشليم، تجمّع حوله حشد كبير من الناس ليسمعوا حكمته. كان الهيكل يزخر بالحركة والنشاط؛ رائحة البخور تملأ الجو، وصوت الصلوات يرتفع مع أصوات الكهنة وهم يقدمون الذبائح. في وسط هذا المشهد، وقف يسوع، كالنور الذي يضيء في الظلمة، وبدأ يحكي لهم أمثالًا عميقة تحمل رسائل سماوية.

### **مثل الكرّامين الأشرار**

توجّه يسوع إلى الجموع وقال: “اسمعوا هذا المثل! كان هناك رجل غرس كرمًا، وأحاطه بسياج، وحفر معصرة، وبنى برجًا، ثم سلّمه إلى كرّامين وسافر إلى بلد بعيد. وعندما حان وقت القطاف، أرسل خادمًا إلى الكرّامين ليأخذ نصيبه من الثمر. لكن الكرّامين أمسكوا بالخادم وجلدوه وردّوه فارغًا. فأرسل إليهم خادمًا آخر، فرجموه وقتلوه. وأرسل كثيرين غيرهم، فكان بعضهم يُضرب وبعضهم يُقتل.”

ثم أضاف يسوع بصوت حازم: “وكان له ابن وحيد حبيب، فأرسله إليهم أخيرًا قائلًا: ‘سيحترمون ابني!’ لكن الكرّامين قالوا فيما بينهم: ‘هذا هو الوارث! هلموا نقتله، فيصير الميراث لنا!’ فأمسكوا به وقتلوه، وألقوه خارج الكرم.”

ساد صمت عميق بين الحاضرين، ثم سألهم يسوع: “فماذا سيفعل صاحب الكرم؟ سيأتي ويهلك هؤلاء الكرّامين ويعطي الكرم لآخرين. أما قرأتم في الكتب: ‘الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية. هذا من عند الرب وهو عجيب في أعيننا’؟”

فهم رؤساء الكهنة والكتبة أن المثل موجّه ضدهم، لأنهم كانوا يرفضون رسل الله، والآن يخططون لقتل ابنه. فحاولوا أن يمسكوه، لكنهم خافوا من الجموع، لأنهم عرفوا أنه قال المثل عليهم.

### **السؤال عن الجزية لقيصر**

ثم أرسل بعض الفريسيين والهيرودسيين ليمسكوا بكلمة منه. فتقدم إليه قوم وقالوا بمكر: “يا معلم، نعلم أنك صادق ولا تبالي بأحد، لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس، بل تعلّم طريق الله بالحق. فهل يحل أن ندفع الجزية لقيصر أم لا؟”

عرف يسوع خبثهم، فقال لهم: “لماذا تجربونني؟ هاتوا دينارًا لأرى.” فأتوه به. فنظر إليه وسألهم: “لمن هذه الصورة والكتابة؟” فأجابوا: “لقيصر.” فقال لهم: “أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله.” فاندهشوا من حكمته ولم يجدوا ما يردّون به.

### **السؤال عن القيامة**

ثم جاء إليه الصدوقيون، الذين يقولون إنه لا قيامة، وسألوه: “يا معلم، كتب لنا موسى: ‘إذا مات رجل وترك امرأة بلا أولاد، يأخذ أخوه المرأة ليُقيم نسلاً لأخيه.’ فكان هناك سبعة إخوة، تزوج الأول ومات دون أن يترك نسلًا، فأخذها الثاني ثم الثالث، وهكذا إلى السابع. أخيرًا ماتت المرأة أيضًا. ففي القيامة، لمن تكون زوجة، لأنها كانت زوجة للسبعة؟”

فأجابهم يسوع: “ألستم بهذا تضلون، لأنكم لا تعرفون الكتب ولا قوة الله؟ لأنهم عندما يقومون من الأموات، لا يتزوجون ولا يزوّجون، بل يكونون كملائكة في السماوات. وأما عن الأموات أنهم يقومون، أما قرأتم في كتاب موسى في أمر العليقة كيف كلّمه الله قائلًا: ‘أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب’؟ ليس هو إله أموات، بل إله أحياء. فأنتم تضلون كثيرًا!”

### **أعظم الوصايا**

عندما سمع أحد الكتبة أنهم يتحاورون، تقدّم وسأل يسوع: “أية وصية هي الأولى من جميع الوصايا؟”

فأجابه يسوع: “الوصية الأولى هي: ‘اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد. وتحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك.’ هذه هي الوصية الأولى. والثانية مثلها: ‘تحب قريبك كنفسك.’ ليس وصية أعظم من هاتين.”

فقال الكاتب: “جيّدًا يا معلم، بالحق قلت إن الله واحد وليس آخر سواه، ومحبته من كل القلب والفهم والقدرة، ومحبة القريب كالنفس، هي أعظم من جميع المحرقات والذبائح.”

فلما رآه يسوع قد أجاب بعقل، قال له: “لست بعيدًا عن ملكوت الله!” وبعد ذلك لم يجسر أحد أن يسأله بعد.

### **يسوع والمساكين**

وجلس يسوع مقابل الخزانة، ينظر كيف يلقي الناس النقود في الخزانة. فأتى كثيرون من الأغنياء وألقوا الكثير. ثم جاءت أرملة فقيرة وألقت فلسين، قيمتهما ربع.

فدعا تلاميذه وقال لهم: “الحق أقول لكم، إن هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا في الخزانة، لأن الجميع من فضلتهم ألقوا، أما هذه فمن إعوازها ألقت كل ما عندها، كل معيشتها.”

وهكذا علّم يسوع الجموع أن الله ينظر إلى القلب، لا إلى المظاهر الخارجية. فكان كلامه نورًا يهدي الضالين، وحكمة تملأ القلوب باليقين.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *