**قصة سفر الجامعة: الفصل الأول**
في قديم الأيام، عندما كان الحكيم ابن داود، الملك في أورشليم، يجلس تحت أشجار الزيتون الممتدة أمام القصر، تأمل في الحياة وما تحمله من أسرار. كان الجو هادئًا، والريح تعانق الأغصان بلطف، وكأنها تهمس بأسرار الأبدية. رفع الحكيم عينيه نحو السماء الزرقاء، ثم أدار نظره إلى الأرض، حيث يتعب البشر يومًا بعد يوم، وبدأ يتكلم بكلمات مليئة بالحكمة العميقة.
**”باطل الأباطيل، يقول الجامعة، باطل الأباطيل! الكل باطل!”**
صوت الحكيم ارتجّ في الأجواء، كصوت الرعد البعيد. نظر إلى الشعب الذي يكدح تحت الشمس، يزرعون ويحصدون، يبنون ويهدمون، يحبون ويبغضون، ثم يموتون كما عاشوا، دون أن يتركوا أثرًا دائمًا. تساءل في قلبه: **”ما الفائدة من كل تعب الإنسان الذي يتعبه تحت الشمس؟”**
ثم أخذ يروي ما رآه على مر الأجيال:
**”جيل يذهب وجيل يأتي، أما الأرض فإلى الأبد تقوم. والشمس تشرق والشمس تغرب، وتسرع إلى موضعها حيث تشرق هناك. الريح تذهب إلى الجنوب وتدور إلى الشمال، تذهب دائرة دورًا. كل الأنهار تجري إلى البحر، والبحر ليس بملآن. إلى المكان الذي جرت منه الأنهار، إلى هناك تذهب راجعة.”**
كانت كلماته كالنقش على الحجر، تذكر البشر بأن الطبيعة تسير في دورات لا تنتهي، لكن الإنسان يظل عاجزًا عن فهم الغاية من كل هذا. حتى الحكمة البشرية، التي يتفاخر بها الكثيرون، هي أيضًا تعب وعناء.
**”كل الأمور مستعصية، لا يستطيع الإنسان أن يخبر بها. لا تشبع العين من النظر، ولا تمتلئ الأذن من السمع.”**
تذكر الحكيم أيامه عندما بحث عن المعرفة بكل جد، فدرس الحكمة والجهل، وعرف أن حتى المعرفة لا تسد جوع القلب البشري. **”في كثرة الحكمة كثرة الغم، والذي يزيد علمًا يزيد حزنًا.”**
ثم التفت إلى القصور الفخمة، والكنوز المخزونة، والحدائق المزهرة، وقال في نفسه: **”حتى هذا كله باطل وقبض الريح!”** فما قيمة الغنى إذا كان الموت ينتظر الجميع؟ وما فائدة المجد إذا نسي الناس أسماء الأبطال بعد سنوات قليلة؟
وهكذا جلس الحكيم تحت ظل الشجرة، وكتب كلماته بمداد الحزن العميق، لكنه أيضًا بعين الرجاء. لأنه عرف أن الحياة، رغم كل بطلانها، هي هبة من الله، وأن الإنسان مدعو ليعيشها بمخافة الرب، لأن هذه هي الغاية الحقيقية.
**”فإن كل شيء قد سمعته، فخاف الله واحفظ وصاياه، لأن هذا هو الإنسان كله.”**
وهكذا انتهى الفصل الأول من سفر الجامعة، لكن صدى كلماته بقي يتردد في قلوب الأجيال، تذكيرًا بأن الحياة تحت الشمس زائلة، لكن حكمة الله باقية إلى الأبد.