الكتاب المقدس

قصة الملك كورش: أداة الله في تحرير شعبه

**قصة كورش الملك: أداة الله في تحقيق الخلاص**

في قديم الزمان، عندما كانت مملكة يهوذا تحت نير السبي البابلي، وتشتت شعب إسرائيل في المنفى، كان الرب يعدّ خطته العظيمة لتحريرهم. لم يكن أحد يتوقع أن يكون المُخلِص ملكاً فارسياً وثنياً، لكن مشيئة الله لا تُدركها العقول البشرية.

### **ظهور كورش على مسرح التاريخ**

في تلك الأيام، كانت الإمبراطورية البابلية العظيمة تترنح تحت وطأة الفساد والكبرياء. وفي الشرق، كان كورش، ملك فارس، يبني مملكة قوية، جيشه لا يقهر، وحكمته في الإدارة فائقة. لكن ما لم يعرفه كورش هو أن الله كان يوجه خطواته منذ ولادته.

فقد تنبأ إشعياء النبي، قبل مئات السنين، عن كورش قائلاً:

*”هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ لِمَسِيحِهِ لِكُورَشَ: الَّذِي أَمْسَكْتُ بِيَمِينِهِ لأَدُوسَ أَمَامَهُ أُمَمًا، وَأَحُزَامَ مُلُوكٍ أَحُلُّ، لِكَيْ أَفْتَحَ أَمَامَهُ الْمِصْرَاعَيْنِ، وَالأَبْوَابُ لا تُغْلَقُ.”* (إشعياء 45: 1)

لم يكن كورش يعرف الإله الحقيقي، لكن الرب اختاره ليكون أداة في يده. ففي السنة الأولى من حكمه، شعر كورش بدافع غريب في قلبه، وكأن صوتاً يهمس في أعماقه أن يُطلق سراح شعب إسرائيل ويعيدهم إلى أرضهم.

### **المرسوم الملكي العجيب**

وفي يوم مشهود، وقف كورش في قصره الملكي في فارس وأصدر أمراً ملكياً مُذهلاً:

*”هَكَذَا يَقُولُ كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ: جَمِيعُ مَمَالِكِ الأَرْضِ دَفَعَهَا لِي الرَّبُّ إِلهُ السَّمَاءِ، وَهُوَ أَوْصَانِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا فِي أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا.”* (عزرا 1: 2)

اندهش الجميع، كيف لملك فارسي أن يعترف بإله إسرائيل؟ لكن الله كان يعمل في الخفاء. فقد أُعطي كورش نعمة في عيني الرب ليكون سبب بركة لشعبه.

### **عودة الشعب إلى أورشليم**

بعد ذلك، بدأ اليهود يستعدون للعودة إلى أرض الميعاد. حملوا معهم آنية الهيكل التي سباها نبوخذنصر، وأخذوا عطايا من جيرانهم الفرس. كانت مشاعر الفرح تعمّ الجميع، فالله حقق وعده بعد سنوات السبي الطويلة.

لكن بعض اليهود ترددوا، فالحياة في بابل أصبحت مألوفة، والخوف من المستقبل جعلهم يتراجعون. لكن الرب أعطاهم الشجاعة من خلال كلمته:

*”أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلَهَ سِوَايَ. أَنَطْقُدُكَ وَأَنْتَ لَمْ تَعْرِفْنِي؟ لِكَيْ يَعْلَمُوا مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ وَمِنْ مَغْرِبِهَا أَنْ لَيْسَ غَيْرِي. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ.”* (إشعياء 45: 5-6)

### **درس عظيم في سيادة الله**

كانت قصة كورش تذكيراً قوياً بأن الله هو ضابط التاريخ، وهو الذي يرفع ملوكاً ويخفض آخرين. فحتى الملك العظيم كورش كان مجرد أداة في يد الرب لتحقيق مقاصده.

وفي النهاية، عاد الشعب إلى أورشليم، وبدأوا ببناء الهيكل، متذكرين كلمات إشعياء:

*”وَيْلٌ لِمَنْ يُخَاصِمُ جَابِلَهُ! أَتُرَابٌ مِنْ بَيْنِ أَتْرَابِ الأَرْضِ؟ هَلْ يَقُولُ الطِّينُ لِجَابِلِهِ: مَاذَا تَصْنَعُ؟”* (إشعياء 45: 9)

فالله هو الخزاف، والبشر هم الطين. ومن يتحدى مشيئته كمن يعترض على الفخاري وهو يشكل وعاءه.

وهكذا، بقوة الله وحكمته، تحرر شعبه، وتمجد اسم الرب في كل الأرض.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *