الكتاب المقدس

قصة الشاب الغني وملكوت السماوات

**قصة الشاب الغني والملكوت السماوي**

في أحد الأيام، بينما كان يسوع يُعلّم الجموع في منطقة اليهودية، جاء إليه شابٌ غنيٌّ يسعى إلى الحكمة الأبدية. كان هذا الشاب ذا هيئة لائقة، يرتدي ثيابًا فاخرةً من أجود أنواع الأقمشة، وحوله جوٌّ من الوقار والثروة. تقدّم بخطوات واثقة، لكن عينيه كانتا تعكسان شوقًا عميقًا لفهم سرّ الحياة الأبدية.

فسجد أمام يسوع، وقال له: “يا معلم الصالح، أي عمل صالح أعمل لأرث الحياة الأبدية؟”

نظر إليه يسوع بعينين مليئتين بالمحبة والحكمة، وقال: “لماذا تدعوني صالحًا؟ ليس أحد صالحًا إلا واحد، وهو الله. ولكن إن أردت أن تدخل الحياة، فاحفظ الوصايا.”

ارتسمت على وجه الشاب تعابير الجدية، فأجاب: “أيها المعلم، هذه الوصايا قد حفظتها منذ صغري. فلا أقتل، ولا أزنِ، ولا أسرق، ولا أشهد بالزور، وأكرم أبي وأمي، وأحب قريبي كنفسي. فماذا يعوزني بعد؟”

فنظر إليه يسوع نظرةً عميقةً تلامس أعماق قلبه، وأحبه لأنه رأى إخلاصه. ثم قال له: “إن أردت أن تكون كاملاً، فاذهب وبع كل مالك ووزّعه على الفقراء، فيكون لك كنزٌ في السماء. ثم تعال واتبعني.”

لكنّ وجه الشاب تغيّر فجأة. تلألأت عيناه بدموع خفية، وانكمش قلبه عند سماع هذه الكلمات. كان غناه عزيزًا عليه، فلم يستطع أن يتخلى عن ثروته التي جمعها بجهدٍ طوال سنوات. فانصرف حزينًا، لأن ممتلكاته كانت كثيرةً جدًا.

وبعد أن رحل الشاب، التفت يسوع إلى تلاميذه وقال: “الحق أقول لكم، إن دخول الغني إلى ملكوت السماوات أصعب من مرور الجمل من ثقب الإبرة!”

فتحير التلاميذ جدًا من كلامه، وسألوه: “فمن يستطيع أن يخلص إذن؟”

فنظر إليهم يسوع وقال: “هذا عند الناس غير مستطاع، ولكن عند الله كل شيء مستطاع.”

عندئذٍ، تقدّم بطرس وقال: “ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك. فماذا يكون لنا؟”

فأجاب يسوع: “الحق أقول لكم، إنكم أنتم الذين تبعتموني، في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده، ستجلسون أنتم أيضًا على اثني عشر كرسيًا تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر. وكل من ترك بيوتًا أو إخوةً أو أخواتٍ أو أبًا أو أمًا أو امرأةً أو أولادًا أو حقولًا من أجل اسمي، يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية. ولكن كثيرون من الأولين يكونون آخرين، والأخيرين أولين.”

وهكذا، علّمهم يسوع أن التمسك بالدنيا قد يعيق الإنسان عن نوال الملكوت، لكن من يترك كل شيءٍ من أجله ينال بركاتٍ عظيمةً في هذه الحياة وفي الحياة الآتية. فالملكوت ليس للأغنياء بالمال وحسب، بل للفقراء بالروح، الذين يضعون ثقتهم في الله فوق كل شيء.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *