الكتاب المقدس

الكرمة الحقيقية والأغصان في يوحنا ١٥

**القصة التفصيلية بناءً على يوحنا 15**

في أحد الأيام الأخيرة قبل آلامه، كان يسوع مع تلاميذه في طريقهم إلى بستان زيتون يعرفونه جيدًا. كانت ليلة هادئة، والهواء معطر برائحة الزيتون والأعشاب البرية. تحت ضوء القمر الخافت، توقف الرب يسوع وسط الكروم الممتدة حولهم، والتي كانت ترمز إلى علاقة الله بشعبه عبر العصور.

بدأ يسوع يتكلم بصوته الهادئ العميق: **”أنا الكرمة الحقيقية، وأبي الكرَّام.”** نظر التلاميذ حولهم إلى الكروم، ففهموا أنهم أمام صورة حية من تعاليم الرب. فالكرمة في أرض إسرائيل كانت مصدرًا للحياة والفرح، لكنها تحتاج إلى عناية دائمة.

ثم واصل يسوع قائلًا: **”كل غصنٍ فيَّ لا يأتي بثمرٍ ينزعه، وكل ما يأتي بثمرٍ ينقيه ليأتي بثمرٍ أكثر.”** كانت عيون التلاميذ مثبتة عليه، وقلوبهم تدرك أنهم هم الأغصان المرتبطة به، الكرمة الوحيدة التي تعطي الحياة. فبدونه، لا يمكنهم أن يفعلوا شيئًا.

لكن يسوع أكد لهم محبته قائلًا: **”أنتم الآن أنقياء بسبب الكلمة التي كلمتكم بها.”** لقد طهَّرهم بكلامه وتعليمه، وأعدهم ليكونوا أبناءً لله، يحملون ثمار المحبة والبر.

ثم جاءت الكلمات التي تمس أعماق القلب: **”اثبتوا فيَّ وأنا فيكم. كما أن الغصن لا يقدر أن يأتي بثمرٍ من ذاته إن لم يثبت في الكرمة، كذلك أنتم أيضًا إن لم تثبتوا فيَّ.”** كان يسوع يعلّمهم أن الاتحاد به ليس مجرد عاطفة عابرة، بل هو شركة حية يومية. فبدونه، يصيرون كأغصان مقطوعة، تذبل وتُلقى في النار.

لكن الوعد العظيم كان: **”إن ثبتم فيَّ، وثبت كلامي فيكم، تطلبون ما تريدون فيكون لكم.”** هنا أظهر يسوع قوة الصلاة التي تنبع من الشركة معه، فمن يثبت في المسيح، تصير مشيئته واحدة مع مشيئة الآب.

ثم رفع يسوع صوته قليلًا، وكأنه يريد أن يخترق كل عصر قادم: **”بهذا يتمجد أبي: أن تأتوا بثمرٍ كثير، فتصيرون تلاميذي.”** المجد الحقيقي لله هو حين يحمل أبناؤه ثمار المحبة والقداسة، فيصير العالم يعرف أنهم له.

ولكي لا ينسوا أساس كل شيء، قال لهم: **”كما أحبني الآب، كذلك أحببتكم أنا. اثبتوا في محبتي.”** كانت محبته غير المشروطة هي القوة الدافعة لهم، فمن يقبل هذه المحبة، يمتلئ فرحًا: **”قد كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم، وليكمل فرحكم.”**

وأخيرًا، أعطاهم الوصية العظمى: **”هذه هي وصيتي: أن تحبوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم.”** لم تكن محبة عابرة، بل محبة تضحية، كتلك التي كان على وشك أن يُظهرها على الصليب: **”ليس لأحد حب أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه.”**

في تلك الليلة، تحت ظلال أشجار الزيتون، فهم التلاميذ أنهم مدعوون إلى حياة أعمق، إلى شركة لا تنفصم مع الرب، وإلى محبة تفيض على العالم. وهكذا، بقيت كلمات الكرمة والأغصان محفورة في قلوبهم، تذكرهم دائمًا: **”بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا.”**

فهل نثبت نحن أيضًا فيه، كي نحمل ثمارًا تدوم إلى الأبد؟

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *