**قصة الشيخوخة والعودة إلى الله: تأملات في جامعة 12**
في أيامٍ قديمة، حين كانت أورشليم تتلألأ تحت أشعة الشمس الذهبية، جلس الحكيم ابن داود، الشيخ الذي عرف الحياة بكل تفاصيلها، ليكتب كلماتٍ تلمس أعماق القلب. كان جسده قد أثقلته السنين، وعيناه قد رأتا كل شيء تحت الشمس. فكتب بتأمل عميق: **”اذكر خالقك في أيام شبابك، قبل أن تأتي الأيام الشريرة، أو تجيء السنون حين تقول: ليس لي فيها سرور.”** (جامعة 12: 1).
كان هناك شابٌ اسمه ألياقيم، نشأ في بيتٍ تقي، لكن قلبه مال مع الأيام إلى ملذات العالم. كان يركض وراء الغنى واللهو، ظانًا أن السعادة تكمن في متع الزائل. وفي إحدى الليالي، بينما كان جالسًا في حفلةٍ صاخبة، سمع صوت شيخٍ يتلو كلمات الجامعة بصوتٍ خافت لكنه عميق، كنداءٍ من السماء: **”قبل أن ينقطع حبل الفضة، أو ينكسر كوز الذهب، أو تُسحق الجرة على العين، أو ينكسر الكوز على البئر.”** (جامعة 12: 6).
لكن ألياقيم لم يعرِ ذلك اهتمامًا، ظانًا أن الشيخوخة بعيدة عنه، وأن الأيام أمامه لا تُعد.
**الأيام تمر كالظل**
ومرت السنون كسحابة عابرة. وجد ألياقيم نفسه شيخًا، جسده قد انحنى تحت ثقل السنين، عيناه لم تعودا تبصران بوضوح، وأسنانه تضعضعت. صار يسمع طنينًا في أذنيه، وكأن النحل يحوم حول رأسه. تذكر كلمات الحكيم: **”في اليوم الذي ترتعد فيه حراس البيت، وتتضاءل رجال القوة، ويُبطَل الطواحن لأنها قلت، وتظلم العيون من الشبابيك.”** (جامعة 12: 3).
كان بيته الذي امتلأ يومًا بالضحك والزائرين، قد صار خاليًا، وأصدقاء الشباب قد تفرقوا أو رحلوا. شعر بالوحدة تخيم عليه كضبابٍ كثيف. حتى صوت الطيور الذي كان يفرحه في الصباح، صار يزعجه، لأن نومه لم يعد كالسابق. **”ويُرفع الصوت بصوت العصفور، وتخفت بنات الغناء.”** (جامعة 12: 4).
**الرجوع إلى الخالق**
وفي ليلةٍ مقمرة، بينما كان يجلس وحيدًا في حديقته، تذكر أيام شبابه، وكيف نسي خالقه في غمرة الملذات. انكسر قلبه ندمًا، وسقطت دموعه على الأرض كقطرات الندى. رفع عينيه إلى السماء وصلى: **”يا رب، لقد أضعت أيامي في ما هو زائل، والآن وقد اقتربت نهايتي، أتوب إليك.”**
وفي تلك اللحظة، شعر بسلامٍ غريب يغمر قلبه، كأن حبل الفضة الذي كان على وشك الانقطاع، قد أُصلح. تذكر كلمات الجامعة: **”فيرجع التراب إلى الأرض كما كان، وترجع الروح إلى الله الذي أعطاها.”** (جامعة 12: 7). أدرك أن الحياة ليست إلا رحلةً قصيرة، والهدف منها هو مخافة الله وحفظ وصاياه.
**ختام الكل**
ومن ذلك اليوم، عاش ألياقيم حياةً جديدة، يذكر فيها خالقه كل صباح، ويحكي للأجيال الشابة عن دروس الحياة، محذرًا إياهم من إضاعة الأيام في ما لا ينفع. وكان يختم كلامه دائمًا بقول الحكيم: **”فليسعنا سماع ختام الأمر كله: اتقِ الله واحفظ وصاياه، لأن هذا هو الإنسان كله.”** (جامعة 12: 13).
وهكذا، انتهت أيام ألياقيم بسلام، لأنه عاد إلى الله قبل فوات الأوان، فكانت حياته، رغم كل ما فات، شاهدةً على أن التوبة والرجوع إلى الخالق هما غاية الحكمة.