الكتاب المقدس

نشيد الرثاء: دمار أورشليم ووعيد الرب

**نشيد الرثاء: دمار أورشليم ووعيد الرب**

في تلك الأيام المُظلمة، عندما حلّ غضب الرب مثل نارٍ التهمت كل شيء، سقطت أورشليم المدينة العظيمة من عليائها. كان الرب قد أدار وجهه عنها، فلم يعد يُشرق عليها بنوره، بل غطّى السماوات بالسحاب الكثيف، حتى صارت كأنها تندب مصيرها.

**غضب الرب على صهيون**
في غضبه العظيم، لم يترُك الرب حجرًا على حجر في مدينة داود. أطاح بأسوارها الشامخة التي كانت يوماً ما تُبهر الأمم بقوتها، والآن صارت أطلالاً يطؤها الأعداء. لم يرحم هيكله المقدس، بل ألقى به في التراب، وكسر مذبحه، وأحرق قدس الأقداس بنار سخطه. نسي عهده مع شعبه، وأذلّ مملكة الكهنة والأسباط، فلم يعد لصهيون مجدٌ ولا بهاء.

**البكاء في الشوارع**
في شوارع أورشليم، لم يعد يُسمع إلا صوت النواح. الأطفال يتساقطون من الجوع، وهم يبحثون عن خبز بين الأنقاض، لكن لا يوجد من يُطعمهم. الأمهات يبكين على أولادهنّ، وقد جفّ لبن أثدائهنّ من شدة الحزن. الشيوخ جلسوا على الأرض، رافعين أعينهم إلى السماء، لكنهم لم يجدوا عزاءً. حتى العذارى الجميلات صرنَ كالمسوخ، يجرّرجنَ في الأتربة، وقد مزّقنَ ثيابهنّ حداداً على ما حلّ بهنّ.

**الأنبياء الكذبة والخراب**
أما الأنبياء الكذبة الذين كانوا يُخدعون الشعب برسائل سلام كاذبة، فقد صمتت أصواتهم. لم يعودوا يرون رؤى، لأن الرب أعمى عيونهم. صاروا عاراً بين الأمم، وهربوا مثل اللصوص عندما حلّ الدمار. أما الرب، فقد أتمّ كلمته التي أنذر بها على لسان أنبيائه الأمناء، فحقّق كل وعيده.

**صراخ إلى الرب**
وفي وسط هذا الرعب، رفع البعض أصواتهم إلى الرب: “يا رب، انظر إلى ما حدث! أإلى الأبد تنسى صهيون؟ أترفع رحمتك إلى الأبد؟ لماذا تتركنا كغنمةٍ بلا راعٍ؟” لكن السماوات صمتت، وكأنها تنتظر التوبة الكاملة.

**الدعوة إلى الرجوع**
لكن في أعماق هذا الدمار، كانت هناك بصيرة أمل. فإن الرب لا يرفض إلى الأبد، بل يدعو شعبه إلى الرجوع إليه بقلب منسحق. ففي وسط الدموع، يُعلّم الإنسان أن رحمة الرب جديدة كل صباح، وأنه وإن كان قد أذلّهم اليوم، فإنه سيُقيمهم غداً إذا تابوا بصدق.

هكذا كانت أورشليم، مدينة الله، تُرثى لنفسها، وتنتظر خلاص الرب الذي لا بد آتٍ، لأن محبته لا تنقطع، وتوبيخه هو من أجل التصحيح، لا الإبادة.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *