**قصة أيوب والتحدي الإيماني: تأمل في أيوب 22**
في قديم الزمان، في أرض عوص، عاش رجلٌ بارٌ اسمه أيوب. كان أيوب رجلاً كاملاً ومستقيماً، يتقي الله ويحيد عن الشر. وكان الله قد باركه بغنى عظيم وأولاد كثيرين، فكان أعظم رجال المشرق كلهم. ولكن الشيطان تحدى إيمان أيوب، فسمح الله له بأن يختبره، ففقد أيوب كل شيء: أمواله، أولاده، وصحته. ومع ذلك، ظل أيوب ثابتاً في إيمانه، رافضاً أن يلعن الله أو يتهمه بالظلم.
### **مجيء أليفاز التيماني**
وفي وسط محنته، جاء أصدقاء أيوب ليعزوه، وكان من بينهم أليفاز التيماني، الحكيم الذي عُرف بحكمته وفهمه العميق لطرق الله. بعد أيام من الصمت، افتتح أليفاز حديثه مع أيوب في الأصحاح الثاني والعشرين من سفر أيوب، متسائلاً:
**”هَلْ يَنْتَفِعُ الْقَدِيرُ إِنْ كُنْتَ بَارّاً؟ أَوْ يَكْسِبُ إِنْ كَانَتْ طُرُقُكَ كَامِلَةً؟” (أيوب 22: 2).**
كان كلام أليفاز يحمل في طياته اتهاماً خفياً لأيوب، إذ افترض أن الله لا يعاقب الأبرار، وبالتالي فإن ما حل بأيوب من مصائب لا بد أن يكون نتيجة خطيئة خفية. ثم واصل أليفاز حديثه بلهجة حازمة، قائلاً:
**”أَلَعَلَّ تَقْوِيكَ هُوَ خَوْفُكَ؟ وَكَمَالُ طُرُقِكَ هُوَ رَجَاؤُكَ؟” (أيوب 22: 3).**
كان أليفاز يشكك في نقاء إيمان أيوب، متصوراً أن أيوب يعتمد على بره الذاتي بدلاً من الاتكال الحقيقي على الله. ثم انتقل إلى اتهامات أكثر صراحة، فقال:
**”أَلَيْسَ شَرُّكَ عَظِيماً وَلاَ نِهَايَةٌ لِذُنُوبِكَ؟” (أيوب 22: 5).**
### **اتهامات أليفاز لأيوب**
ثم شرع أليفاز في سرد سلسلة من التهم الموجهة إلى أيوب، زاعماً أنه كان ظالماً في تعامله مع الآخرين، فقال:
**”لأَنَّكَ كُنْتَ تَأْخُذُ رِهَاناً مِنْ إِخْوَتِكَ بِلاَ سَبَبٍ، وَتَعْرِي الْحُلَلَ عَنِ الْعُرَاةِ. لَمْ تُعْطِ الْمَاءَ لِلْعَطْشَانِ، وَمَنَعْتَ الْخُبْزَ عَنِ الْجَائِعِ. أَمَّا ذُو الْقُوَّةِ فَلَهُ الأَرْضُ، وَالْمُكَرَّمُ سَاكِنٌ فِيهَا. الأَرَامِلَ أَرْسَلْتَهَا فَارِغَاتٍ، وَسَاعِدَ الأَيْتَامِ قَدْ كُسِرَتْ” (أيوب 22: 6-9).**
كان أليفاز يتهم أيوب بالقسوة والجشع، مدعياً أنه استغل الفقراء والضعفاء، مما أدى إلى حلول الدينونة عليه. لكننا نعلم من بداية السفر أن أيوب كان رجلاً رحيماً، يخاف الله ويحسن إلى المحتاجين، كما قال الكتاب:
**”وَكَانَ إِذَا دَارَتْ أَيَّامُ الْوَلِيمَةِ، أَرْسَلَ أَيُوبُ فَقَدَّسَهُمْ، وَبَكَّرَ فِي الصَّبَاحِ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى عَدَدِهِمْ كُلِّهِمْ، لأَنَّ أَيُوبَ قَالَ: رُبَّمَا أَخْطَأَ بَنِيَّ وَجَدَّفُوا عَلَى اللهِ فِي قُلُوبِهِمْ. هَكَذَا كَانَ أَيُوبُ يَفْعَلُ كُلَّ الأَيَّامِ” (أيوب 1: 5).**
### **دعوة أليفاز إلى التوبة**
ثم انتقل أليفاز إلى تقديم النصيحة لأيوب، داعياً إياه إلى التوبة والعودة إلى الله، فقال:
**”فَضَعْ نَافِذَةً فِي السَّمَاءِ وَانْظُرْ، وَتَطَلَّعْ إِلَى الْقَدِيرِ فَوْقَكَ. إِنْ كُنْتَ مُسْتَقِيماً فَأَشْرِفْ عَلَيْهِ، وَأَصْلِحْ مَسْكِنَكَ. حِينَئِذٍ تَرْتَفِعُ فَوْقَ الْعَفَرِ، وَتَكُونُ كَأَنْهَارِ الْمَاءِ غَيْرِ الْمَنْقُوصَةِ” (أيوب 22: 23-24).**
كان أليفاز يعتقد أن توبة أيوب ستُعيد إليه بركته السابقة، وأن الله سيرفع ضيقته إذا اعترف بذنبه. لكن أيوب كان يعلم في قلبه أنه لم يرتكب ما يستحق هذه المصائب، وكان إيمانه أعمق من أن يُختزل في معادلة بسيطة بين الخطيئة والعقاب.
### **ختام القصة**
في النهاية، نرى أن حوار أليفاز مع أيوب يعكس فكراً لاهوتياً تقليدياً مفاده أن المعاناة هي دائماً نتيجة الخطيئة. لكن قصة أيوب تعلّمنا أن الله يسمح أحياناً بالألم لاختبار إيماننا وتعميق علاقتنا به، وليس بالضرورة كعقاب. وفي النهاية، ظهر الله لأيوب وأكد له أن طريقه أعلى من طرق البشر، وأن الحكمة الحقيقية تكمن في الخضوع لمشيئته.
وهكذا، تبقى قصة أيوب درساً خالداً في الصبر والإيمان، وتذكيراً بأن الله عادل وحكيم، حتى عندما لا نفهم تدابيره.