**قصة هوشع 12: رحلة يعقوب وتوبة إسرائيل**
في الأيام التي فيها تنبأ هوشع بن بئيري، أرسل الرب كلمته إلى شعبه إسرائيل ليذكرهم بأسفار أجدادهم وحكمة الأزمنة القديمة. ففي هوشع 12، نرى صورة حية ليعقوب أبي الأسباط، وكيف أن نضاله وتوبته أصبحا مرآة يعكس الرب من خلالها حال الشعب الخائن الذي يحتاج إلى العودة إليه.
### **يعقوب: النضال والبركة**
في قديم الزمان، كان هناك شاب اسمه يعقوب، ابن إسحاق وحفيد إبراهيم خليل الله. منذ ولادته، كان يعقوب يحمل في قلبه رغبة عميقة في البركة، حتى أنه أمسك بكعب أخيه عيسو عند خروجه من بطن أمه. وكبر يعقوب، وكان محبًا للحكمة، بينما كان عيسو رجل البرية، لا يبالي بأمور الروح.
وفي يوم من الأيام، عندما كان عيسو متعبًا وجائعًا بعد رحلة صيد، باع بكورية مقابل طبق من العدس. وهكذا حصل يعقوب على البركة الأولى، لكن الطريق لم يكن سهلاً. فبحكمة أمه رفقة، نال بركة أبيه إسحاق أيضًا، مما أثار غضب عيسو، فهرب يعقوب خوفًا من أخيه إلى أرض فدان آرام.
### **اللقاء مع الله في بيت إيل**
وفي طريقه إلى المنفى، أوى يعقوب إلى مكان اسمه لوز، حيث نام وحلم بحلم عجيب: رأى سلماً منصوبًا على الأرض، رأسه يمس السماء، والملائكة يصعدون وينزلون عليه. وفوق السلم وقف الرب نفسه، وقال له:
*”أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق. الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك. ونسلك يكون كتراب الأرض، وتمتد إلى الغرب والشرق والشمال والجنوب، ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض.”*
فاستيقظ يعقوب خائفًا وقال: *”ما أرهب هذا المكان! ما هذا إلا بيت الله، وهذا باب السماء!”* فأخذ الحجر الذي كان تحت رأسه وأقامه عمودًا، وسكب عليه زيتًا، ودعا المكان “بيت إيل”، أي بيت الله. وهناك نذر يعقوب نذرًا: *”إن كان الله معي، وحفظني في الطريق الذي أنا سائر فيه، وأعطاني خبزًا لآكل وثيابًا لألبس، وعدت بسلام إلى بيت أبي، يكون الرب لي إلهًا.”*
### **النضال مع الله في فنوئيل**
بعد سنوات طويلة من العمل عند خاله لابان، حيث تزوج ورزق بأولاد، قرر يعقوب العودة إلى أرض كنعان. لكن قلبه كان مليئًا بالخوف من لقاء أخيه عيسو. وفي الليلة التي سبقت اللقاء، أرسل يعقوب عائلته أمامه، وبقي وحده عند مخاضة نهر يبوق.
وهناك، ظهر له رجل وقاتله حتى طلوع الفجر. فلم يستطع الرجل أن يغلب يعقوب، لكنه ضرب حق فخذه فانخلع. ومع ذلك، أصر يعقوب قائلاً: *”لا أطلقك إن لم تباركني!”*
فسأله الرجل: *”ما اسمك؟”* فأجاب: *”يعقوب.”* فقال له: *”لا يُدعى اسمك في ما بعد يعقوب، بل إسرائيل، لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت.”*
وسأل يعقوب الرجل: *”أخبرني باسمك.”* لكنه أجاب: *”لماذا تسأل عن اسمي؟”* ثم باركه هناك. فدعا يعقوب المكان “فنوئيل” قائلاً: *”لأني نظرت الله وجهًا لوجه ونجيت نفسي.”*
### **إسرائيل بين الماضي والحاضر**
وهكذا، يذكر الرب شعبه في هوشع 12 بقصة يعقوب، الذي تحول من الخداع إلى التوبة، ومن النضال إلى البركة. فكما ناضل يعقوب مع الله وانتصر بالإصرار والإيمان، هكذا يجب على إسرائيل أن يعود إلى الرب.
لكن الشعب في أيام هوشع قد نسوا هذه الدروس. فقد اتكلوا على التحالفات مع الأمم، وعلى الذهب والفضة، وظنوا أن قوتهم من عندهم. فوبخهم الرب قائلاً:
*”أما إفرايم فأحاطني بالكذب، وبيت إسرائيل بالغش… في التجارة يحبون الغش، ويقولون: نثرنا فضة، قد كثر غنانا، ولا عقاب لنا.”*
لكن الرب يذكرهم أن يعقوب، بعد كل أخطائه، وجد رحمة لأنه عاد إلى الله. وهكذا يدعوهم هوشع إلى التوبة:
*”فارجعوا إلى إلهكم، احفظوا الرحمة والحق، وانتظروا إلهكم دائمًا.”*
### **الدرس الأبدي**
فيا بني إسرائيل، لا تفتخروا بقوتكم، ولا تتكلوا على حكمتكم الأرضية. تذكروا يعقوب، الذي بعد كل صراعاته، علم أن البركة الحقيقية هي في التمسك بالله. فالرب هو الذي يحول الخداع إلى بركة، والضعف إلى قوة، والخطية إلى غفران.
وهكذا تنتهي القصة بدعوة ملحة: *”احفظوا الرحمة والحق، واثبتوا في الرب إلى الأبد.”* لأن من يجاهد مع الله ويتمسك به، سينال البركة، كما نالها يعقوب، الذي صار إسرائيل، أبًا لشعب الله.