الكتاب المقدس

نبوءة يسوع على جبل الزيتون عن آخر الأيام

**القصة: النبوءة على جبل الزيتون**

في أحد الأيام الأخيرة من خدمة الرب يسوع في أورشليم، بينما كان يجلس على جبل الزيتون مقابل الهيكل، اقترب منه تلاميذه الأربعة – بطرس ويعقوب ويوحنا وأندراوس – وسألوه في خفوت: “يَا مُعَلِّمُ، قُل لَنَا: مَتَى يَكُونُ هَذَا؟ وَمَا هِيَ العَلامَةُ عِنْدَمَا يَكُونُ جَمِيعُ هَذِهِ الأُمُورِ عَلَى وَشْكِ الإِتْمَام؟”

فالتفت إليهم يسوع بعينين حكيمتين، كأنهما تنظران إلى أعماق الزمان، وبدأ يخبرهم بما سيأتي، بصوته الهادئ الذي يحمل سلطان الحق.

**دمار الهيكل والاضطهادات العظيمة**

قال لهم: “اُنْظُرُوا! لِئَلَّا يَضِلَّكُمْ أَحَدٌ. فَسَيَأْتِي كَثِيرُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. لَا تَرْتَاعُوا، لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ لابُدَّ أَنْ يَكُونَ، وَلَكِنْ لَيْسَ المُنْتَهَى بَعْدُ.”

ثم أضاف بصوت جاد: “لِأَنَّهُ سَيَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ زَلَازِلُ فِي أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَاضْطِرَابَاتٌ. هَذِهِ هِيَ بَدَايَةُ الأَوْجَاعِ.”

وتطلع إلى تلاميذه بنظرة تحذيرية: “وَلَكِنِ احْذَرُوا لأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ! فَسَيُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ وَمَحَاكِمَ، وَتُجْلَدُونَ فِي مَجَامِعِ، وَتُوقَفُونَ أَمَامَ وُلاةٍ وَمُلُوكٍ مِنْ أَجْلِي، شَهَادَةً لَهُمْ.”

**الروح القدس والثبات في المحن**

ثم ابتسم يسوع برقة، وكأنه يريد أن يخفف من رهبة ما سيأتي: “وَلَكِنْ لِيَكُنْ فِيكُمْ إِيمَانٌ، فَإِنَّ الرُّوحَ القُدُسَ سَيُعَلِّمُكُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا يَجِبُ أَنْ تَقُولُوهُ. لَيْسَ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَتَكَلَّمُونَ، بَلِ الرُّوحُ القُدُسُ.”

وتابع بصوت حازم: “وَسَيُسَلِّمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلَى المَوْتِ، وَالأَبُ وَلَدَهُ، وَيَقُومُ الأَوْلَادُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ. وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلَكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى المُنْتَهَى فَهَذَا يَخْلُصُ.”

**الخراب العظيم ورجسة الخراب**

ثم أشار يسوع نحو الهيكل، حيث كانت أشعة الشمس الذهبية تتلألأ على أحجاره البيضاء، وقال: “فَإِذَا رَأَيْتُمْ «رِجْسَةَ الخَرَابِ» قَدْ وَقَفَتْ حَيْثُ لاَ يَنْبَغِي – لِيَفْهَمِ القَارِئُ – فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي اليَهُودِيَّةِ إِلَى الجِبَالِ. وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ إِلَى البَيْتِ وَلاَ يَدْخُلْ لِيَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِهِ. وَالَّذِي فِي الحَقْلِ فَلاَ يَرْجِعْ إِلَى الوَرَاءِ لِيَأْخُذَ ثَوْبَهُ.”

وتنهّد من أعماقه، ثم قال: “وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ! وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي الشِّتَاءِ. لأَنَّهُ سَيَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ ضِيقٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ بَدْءِ الخَلِيقَةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ إِلَى الآنَ، وَلَنْ يَكُونَ.”

**مجيء ابن الإنسان**

ثم ارتفع صوته كالرعد، وعيناه تتقدان بنور سماوي: “وَلَكِنْ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، بَعْدَ ذَلِكَ الضِّيقِ، تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ.”

وتطلع نحو السماء، وكأنه يرى المستقبل بعينيه، ثم أكمل: “فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلَائِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ السَّمَاءِ.”

**عظة شجرة التين**

وأشار يسوع إلى شجرة تين قريبة، وقال: “تَعَلَّمُوا مَثَلَ التِّينَةِ: مَتَى صَارَ غُصْنُهَا غَضًّا وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقَهَا، تَعْلَمُونَ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ. هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هَذِهِ الأَشْيَاءَ صَارَةً، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ.”

ثم قال لهم بجدية: “اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هَذَا الجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ. اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ، وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ.”

**الوصية الأخيرة: السهر والصلاة**

وأخيرًا، ختم يسوع كلامه بتحذير شديد: “وَأَمَّا ذَلِكَ اليَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ المَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ الابْنُ، إِلاَّ الآبُ. اُنْظُرُوا! اِسْهَرُوا وَصَلُّوا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَكُونُ الوَقْتُ.”

ثم ضرب لهم مثلًا: “كَالإِنْسَانِ الَّذِي سَافَرَ وَتَرَكَ بَيْتَهُ، وَأَعْطَى عَبِيدَهُ السُّلْطَانَ، وَكُلَّ وَاحِدٍ عَمَلَهُ، وَأَوْصَى البَوَّابَ أَنْ يَسْهَرَ. اِسْهَرُوا إِذًا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَأْتِي رَبُّ البَيْتِ، أَفِي المَسَاءِ أَمْ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ، أَمْ عِنْدَ صِيَاحِ الدِّيكِ، أَمْ فِي الصَّبَاحِ؟ لِئَلَّا يَأْتِيَ بَغْتَةً فَيَجِدَكُمْ نِيَامًا! وَمَا أَقُولُهُ لَكُمْ أَقُولُهُ لِلْجَمِيعِ: اِسْهَرُوا!”

وبينما كانت الشمس تميل نحو الغروب، والتلاميذ يتأملون في كلماته، شعر كل واحد منهم بثقل المسؤولية، وبالرجاء العظيم في مجيء ابن الإنسان. فعادوا إلى المدينة، وهم يحملون في قلوبهم تحذيرات الرب ورجاءه، عازمين أن يبقوا ساهرين، لأنهم لا يعرفون اليوم ولا الساعة.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *