**قصة أسباط رئوبين وجاد ونصف سبط منسى واستقرارهم شرق الأردن**
في الأيام التي قاد فيها موسى بني إسرائيل عبر البرية، بعد خروجهم من أرض مصر، وقبل دخولهم أرض الموعد، حدث أمرٌ عظيمٌ تعلق بأسباط رئوبين وجاد ونصف سبط منسى. فقد كانت هذه الأسباط تمتلك قطعانًا كبيرةً من المواشي، ورأت أن أرض جلعاد، الواقعة شرق نهر الأردن، أرضٌ خصبةٌ وغنيةٌ بالمراعي، ففكروا في الاستقرار هناك بدلًا من عبور النهر إلى أرض كنعان.
### **الطلب الغير المتوقع**
تقدَّم رؤساء أسباط رئوبين وجاد — وهم رجال ذوو مكانةٍ بين الشعب — إلى موسى والعازار الكاهن وإلى جميع رؤساء الجماعة، وقالوا:
*”أرض عطاروت وديبون ويعزير ونمرة وحشبون وأيلعاله وسبام ونبوه وبعون، هذه الأرض التي ضربها الرب أمام بني إسرائيل، هي أرض مواشٍ، ونحن عبيدك لدينا مواشٍ.”*
كانوا يشيرون إلى أن هذه الأرض مناسبة لرعاية مواشيهم الوفيرة، وطلبوا الإذن بالاستقرار فيها بدلًا من المضي قدمًا إلى غرب الأردن.
### **غضب موسى وتحذيره**
عندما سمع موسى طلبهم، اشتعل قلبه غضبًا، لأن هذا الطلب ذكَّره بحادثة الجواسيس الأربعين سنةً الماضية، عندما رفض الشعب دخول الأرض خوفًا من سكانها، مما أدى إلى عقاب الرب بأن يتيهوا في البرية حتى يهلك الجيل العاصي. فقال لهم موسى بلهجةٍ حازمة:
*”أإخوتكم يذهبون إلى الحرب وأنتم تقعدون هنا؟ لماذا تُثبِّطون قلب بني إسرائيل عن عبورهم إلى الأرض التي أعطاهم الرب؟ هكذا فعل آباؤكم حين أرسلتهم من قادش برنيع ليتفرسوا الأرض، فذهبوا حتى وادي إشكول، ولما رأوا الأرض أضعفوا قلب بني إسرائيل حتى لم يدخلوا الأرض التي أعطاهم الرب.”*
كان موسى يخشى أن يتكرر التاريخ، وأن يُثبِّط هؤلاء الرجال عزيمة بقية الشعب، فيرفضون دخول أرض الموعد خوفًا من حروبها.
### **الرد الحكيم للأسباط**
لكن رؤساء رئوبين وجاد أجابوا بحكمةٍ قائلين:
*”نحن نبنى هنا حظائر لمواشينا ومدنًا لأولادنا، ولكننا نتجهز متسربلين بسلاحنا أمام بني إسرائيل حتى نأخذهم إلى مكانهم. ولا نرجع إلى بيوتنا حتى يستريح كل بني إسرائيل في ميراثهم. لأننا لا نرث معهم في عبر الأردن وما بعده، إذ قد يأتي ميراثنا إلينا في شرق الأردن.”*
أي أنهم وعدوا بأن يشاركوا إخوتهم في الحرب حتى يتمكنوا من امتلاك أرض كنعان، ثم يعودوا بعد ذلك إلى أرضهم شرق الأردن.
### **القرار النهائي والعهد**
استحسن موسى اقتراحهم، وقال لهم:
*”إن فعلتم هذا، إن تسلحتم للقتال أمام الرب، ويعبر كل ذي سلاحٍ منكم الأردن أمام الرب حتى يطرد أعداءه من أمامه، وتخضع الأرض أمام الرب، ثم بعد ذلك ترجعون وتكونون بريئين أمام الرب وأمام إسرائيل، وتكون هذه الأرض ملكًا لكم أمام الرب.”*
وأكد لهم أنهم إذا لم يوفوا بعهدهم، فإن خطيتهم ستلحق بهم. فوافقوا على الشروط، وأقسموا بالالتزام بها.
### **التنفيذ والميراث**
وهكذا، أعطى موسى لهم ولنصف سبط منسى — لأن جزءًا من عشائرهم أيضًا كانوا أصحاب مواشٍ كثيرة — مملكة سيحون ملك الأموريين وعوج ملك باشان، وهما أرضان غنيتان بالمراعي والمدن الحصينة.
قام رئوبين وجاد ونصف سبط منسى ببناء مدنٍ محصنةٍ وحظائر لمواشيهم، ثم تسلحوا وانضموا إلى بقية الأسباط لعبور الأردن وغزو أرض كنعان. وقاتلوا بشجاعةٍ تحت قيادة يشوع بن نون، حتى استقرت كل الأسباط في ميراثها.
وبعد سنواتٍ من الحرب، عندما استراح الشعب من أعدائه، عاد هؤلاء المحاربون إلى عائلاتهم شرق الأردن، متممين بذلك وعدهم للرب ولموسى.
### **العبرة من القصة**
هذه القصة تعلمنا أهمية الوفاء بالعهود، والتعاون بين الشعب الواحد، وعدم التردد في نصرة الإخوة حتى لو كان الثمن التضحية بالراحة الشخصية. كما أنها تظهر حكمة موسى في القيادة، حيث لم يرفض طلبهم رفضًا قاطعًا، بل وضع شروطًا تضمن وحدة الشعب وإتمام مشيئة الرب.
وهكذا، استقر رئوبين وجاد ونصف سبط منسى في الأرض التي اختاروها، ولكن بعد أن أثبتوا إخلاصهم للرب ولشعب إسرائيل.