الكتاب المقدس

إله يحمل شعبه: تأملات في إشعياء 46

**قصة الإله الحامل شعبه: تأملات في إشعياء 46**

في الأيام التي سبقت سقوط بابل العظيمة، عندما كان شعب إسرائيل يعاني تحت نير السبي، كان الرب يعدّ رسالة رجاء لشعبه المكلوم. وكان النبي إشعياء، بلسان وحي الله، ينقل كلمات عزاء تتناقض مع ضجيج الأصنام البابلية الصماء.

في أحد الأيام، بينما كانت شوارع بابل تعجّ بعبّاد الأوثان الذين يحملون تماثيلهم الذهبية والفضية على الأعناق في مواكب فاخرة، اجتمع مجموعة من المسبيين الإسرائيليين في بيت متواضع. كانوا يئنّون تحت ثقل الغربة، وقد بدت عليهم علامات اليأس. ففتح أحد الشيوخ درجاً قديماً فيه لفافة من جلد، وبدأ يقرأ لهم كلمات إشعياء النبي:

“اسْمَعُوا لِي يَا بَيْتَ يَعْقُوب، وَكُلَّ بَقِيَّةِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، الْمُحَمَّلِينَ مِنَ الْبَطْنِ، الْمَحْمُولِينَ مِنَ الرَّحِمِ.”

توقفت الأنفاس، وعلت الوجوه علامات التعجب. فالكلمات كانت تخاطبهم مباشرة، كأن الله يعانقهم من خلالها. تابع الشيخ القراءة:

“إِلَى الشَّيْخُوخَةِ أَنَا هُوَ، وَإِلَى الْإِشْبِيعِ أَنَا أَحْمِلُ. قَدْ حَمَلْتُ وَأَنَا أَحْمِلُ، وَأَنَا أَذْحَنُ وَأُنْقِذُ.”

هنا بدأت العيون تدمع. فبينما كان البابليون يتعبون تحت ثقل أصنامهم التي لا تنفع ولا تضر، كان إله إسرائيل يعلن أنه هو الذي يحمل شعبه منذ الولادة وحتى الشيخوخة! صورة رائعة: إله عظيم يضع شعبه على كتفيه كالراعي الحنون، لا كالأصنام التي تُحمل على الأكتاف.

قام شاب يدعى ألياقيم، وكان قد ولد في السبي، وسأل بلهفة: “لكن كيف لنا أن نثق بهذا الوعد ونحن نرى بابل في أوج قوتها؟”

أجاب الشيخ بحكمة: “انظر إلى ما يقوله الرب بعد ذلك.” وواصل القراءة:

“بِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي وَتُسَوُّونَنِي وَتُمَثِّلُونَنِي لِنَتَشَابَهَ؟ الَّذِينَ يُسْرِفُونَ الذَّهَبَ مِنَ الْكِيسِ، وَالْفِضَّةَ بِالْوَزْنِ يَزِنُونَهَا، يَسْتَأْجِرُونَ صَائِغاً فَيَعْمَلُهُ إِلَهاً! يَسْجُدُونَ لَهُ وَيَعْبُدُونَهُ!”

ضحك الحاضرون بسخرية مريرة. فكم رأوا من هذه المناظر في بابل! الأغنياء ينفقون أموالاً طائلة لصنع تمثال، ثم يسجدون له! الأعمى البصيرة يقدّم الذهب للصائغ ليصنع له إلهاً!

تابع الشيخ: “لكن اسمعوا الفرق العظيم!” وقرأ:

“اُذْكُرُوا هَذَا وَتَشَدَّدُوا. اُرْجعُوا يَا مُذْنِبِينَ إِلَى الْقَلْبِ. اُذْكُرُوا الأَوَّلِيَّاتِ مُنْذُ الْقَدِيمِ، لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرُ. الإِلَهُ وَلَيْسَ مِثْلِي.”

ساد صمت عميق. ثم بدأت أصوات التسبيح تعلو. فبينما الأصنام تحتاج إلى من يحملها، كان الرب هو الحامل لشعبه. بينما الأوثان تُصنع بأيدي البشر، كان الله هو الخالق الأزلي. بينما الآلهة الزائفة تتغير وتتبدل، كان إله إسرائيل هو نفسه أمس واليوم وإلى الأبد.

في تلك الليلة، خرج المسبيون من بيت الاجتماع وهم يحملون في قلوبهم يقيناً جديداً. كلما رأوا مواكب البابليين تحمل أصنامها، ابتسموا لأنهم عرفوا أن إلههم هو الذي يحملهم، وليس العكس. كلما سمعوا ضجيج عباد الأوثان، تذكروا صوت الراعي الأمين الذي وعد: “أنا هو. أنا هو الذي أمحو ذنوبك من أجل نفسي، وخطاياك لا أذكرها.”

وهكذا، في وسط السبي، زرع الله في قلوب المؤمنين بذور الرجاء. فالنهاية كانت معروفة: “إني أُخبر من البدء بالأخير، ومن القديم بما لم يُفعل. قولي قد تم، وسأفعل كل مسرتي.” فبابل ستسقط، والأصنام ستتحطم، ولكن كلمة الرب تثبت إلى الأبد.

وهكذا، من خلال كلمات إشعياء 46، تعلم شعب الله أن الإله الحقيقي ليس حملاً يُحمل، بل هو الحامل الأمين الذي لا يعجز ولا يمل، والذي يثبت وعده جيلاً بعد جيل: “إلى الشيخوخة أنا هو، وإلى الإشبيب أنا أحمل.”

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *