**قصة الأصحاح 19 من سفر حزقيال: نحيب على رؤساء إسرائيل**
في تلك الأيام، عندما كان النبي حزقيال يقف بين المسبيين على نهر خابور، أوحى إليه الرب برؤيا مؤثرة تحمل في طياتها تحذيرًا شديدًا وحزنًا عميقًا على رؤساء إسرائيل. ففتح الرب عيني حزقيال ليرى صورةً رمزيةً تُجسد مصير الشعب وقادته الذين ضلوا عن الطريق المستقيم.
### **الأم والأشبال**
بدأ الرب حديثه مع حزقيال قائلًا:
*”رفع مرثاة على رؤساء إسرائيل، وقل: ماذا كانت أمك؟ لبوةٌ ربَت أشبالها بين الأسود، وربَت واحدًا من أشبالها فصار أسدًا، وتعلم افتراس الفريسة، وأكل الناس.”*
كانت “الأم” هنا ترمز إلى أمة يهوذا أو إلى الأرض المقدسة التي أنجبت قادةً عظماء، لكنهم تحولوا إلى ظالمين. أما “الأشبال”، فهم ملوك يهوذا الذين حكموا بقوة، لكنهم أساءوا استخدام سلطتهم.
### **الأسد الأول: الملك الذي سُبي**
وتابع الرب كلامه:
*”فسمع عنه الأمم، ففي حفرتهم أُمسك، وجاءوا به بسلاسل إلى أرض مصر.”*
هنا يشير النبي إلى أحد ملوك يهوذا، ربما يكون هو يهوآحاز بن يوشيا، الذي حكم لفترة قصيرة قبل أن يأسره فرعون نخو ويُبعده إلى مصر (2 ملوك 23: 31-34). لقد كان هذا الملك كالأسد الشاب الذي امتلأ قوةً، لكنه سقط في شباك الأعداء بسبب خطاياه وعدم اتّباعه وصايا الرب.
### **الأسد الثاني: الملك الذي دُمِّر**
ثم ينتقل الرب إلى الحديث عن شبل آخر:
*”ولما رأت أنه قد انتظر، وضاع رجاؤها، أخذت شبلًا آخر وجعلته أسدًا، فسار بين الأسود، وصار أسدًا، وتعلم الافتراس، وأكل الناس، وعرف قصورهم، وخرب مدنهم، وأقفرت الأرض ومن عليها من صوت زئيره.”*
هذا الشبل الثاني قد يكون هو الملك يهوياقيم أو ابنه يهوياكين، أو حتى صدقيا، آخر ملوك يهوذا. لقد حكم بقسوة، وأثار غضب الأمم من حوله، حتى جاءت الجيوش البابلية وحاصرت أورشليم.
*”فأخرجت عليه أمم من كل جهة، وبسطت عليه شبكتهم، وفي حفرتهم أُمسك، فوضعوه في قلع بالسلاسل، وأتوا به إلى ملك بابل، فأدخلوه في الحصون لكي لا يُسمع صوته بعد على جبال إسرائيل.”*
وهكذا، نرى كيف أن القادة الذين كان من المفترض أن يكونوا رعاةً لشعب الله، تحولوا إلى وحوشٍ مفترسة، فجلبوا الدمار على أنفسهم وعلى الأمة كلها.
### **الكرمة التي احترقت**
ثم يتحول المشهد من الأسود إلى صورة أخرى مؤلمة:
*”وأمك كالكرمة المغرّسة عند المياه، وكانت مثمرةً ومورقةً من كثرة المياه.”*
هنا يصف الرب أمة يهوذا بالكرمة المزروعة في أرض خصبة، والتي كان من المفترض أن تثمر برًا وعدلًا. لكنها بدلًا من ذلك:
*”وكان لها قضبان قوية لصولجان متسلطين، فارتفعت قامتها بين الأغصان الكثيرة، ورآها بعظمتها لكثرة فروعها.”*
لكن هذه الكرمة لم تبقَ أمينةً للرب، فجاءت النهاية المحتومة:
*”فانتُزعت بغضب، وأُلقيَت على الأرض، ويبسَت ريحٌ شرقية ثمرها، وقُطعت قضبانها القوية ويبست، وأكلتها النار.”*
هذه صورةٌ للدينونة التي حلّت على يهوذا عندما سقطت أورشليم في يد البابليين، ودُمِّر الهيكل، وسُبي الشعب. لقد أضاعوا فرصتهم العظيمة، فجاءت النار تأكل كل ما تبقى.
### **الختام: درسٌ للأجيال**
وهكذا تنتهي المرثاة بحزن عميق:
*”والآن هي مغروسة في البرية، في أرضٍ قاحلةٍ عطشى.”*
لم تعد يهوذا تلك الأمة العظيمة، بل صارت كالكرمة الجافة في الصحراء. لقد فقدوا بركتهم بسبب عصيانهم، وصاروا عبرةً لكل من يعتقد أن القوة البشرية تكفي دون طاعة الله.
وهنا يقف حزقيال وكلماته تتردد كصدى في قلوب المسبيين: إنها ليست مجرد قصة ملوك سقطوا، بل تحذيرٌ لكل جيلٍ يأتي بعدهم. فالله قدوسٌ ولا يتساهل مع الشر، لكنه في نفس الوقت ينتظر التوبة ليرحم ويعيد.
فهل نتعظ نحن أيضًا من دروس الماضي، أم نكرر أخطاء من سبقونا؟