**القصة: يسوع يهدئ العاصفة ويُظهر سلطانه**
كان الجوّ لطيفًا ذلك اليوم عند شاطئ بحيرة جنيسارت، حيث تجمّع حشد كبير حول يسوع ليسمعوا كلمة الله. كان الجمع مكونًا من رجال ونساء وأطفال، بعضهم جاء من القرى المجاورة، وآخرون سمعوا عن معجزاته فتركوا أعمالهم ليلتقوه. جلس يسوع في قاربٍ صغير راسٍ عند الشاطئ، بينما وقف الناس على اليابسة ينتظرون بلهفة أن يبدأ الكلام.
بدأ يسوع يُعلّمهم بأمثال، فقال: “اسمعوا! ها إن الزارع قد خرج ليزرع…” وتحدّث عن الزارع والبذور التي سقطت على أنواع مختلفة من التربة، موضحًا أن الكلمة مثل البذرة، ومصيرها يعتمد على قلوب السامعين. كان صوته هادئًا لكنه واضح، يحمل سلطانًا جعل الجميع يصغون بانتباه. بينما كان يتكلم، كانت الشمس تلمع على صفحة الماء، والنسيم العليل يحمل عبق الزهور البرية المنتشرة على التلال القريبة.
بعد أن أنهى تعليمه، التفت إلى تلاميذه وقال: “لنعبر إلى الضفة الأخرى.” ففكّوا الرباطات وأبحروا بهدوء بعيدًا عن الشاطئ. كان التلاميذ مرتاحين، فقد اعتادوا البحيرة وكان بعضهم صيادين محترفين. لكن فجأة، بينما كان يسوع نائمًا في مؤخرة القارب على وسادة، هبّت رياح عاتية من الجبال، وتلاطمت الأمواج بعنف، حتى صار الماء يغمر القارب. اضطرب التلاميذ خوفًا، ورأوا أن القارب يكاد يغرق، بينما يسوع ما زال نائمًا بسلام!
أسرعوا إليه وأيقظوه قائلين: “يا معلم، يا معلم، إننا نهلك!” ففتح يسوع عينيه بهدوء، ونظر إلى الأمواج الهائجة والرياح العاصفة. ثم نهض ووبّخ الريح والأمواج قائلاً: “اسكت! اهدأ!” فسكنت الريح فورًا، وصار هدوء عظيم.
تحوّل خوف التلاميذ إلى دهشة عميقة. نظر بعضهم إلى بعضٍ متسائلين: “من هو هذا؟ حتى الرياح والأمواج تطيعه!” كانوا يعرفون أن الطبيعة لا تخضع إلا لله، فازداد إيمانهم به، لكنهم أدركوا أيضًا أنهم ما زالوا لا يفهمون تمامًا من يكون هذا الرجل الذي يسير معهم.
أما يسوع، فقد نظر إليهم بعينين حنونتين وقال: “أين إيمانكم؟” كان سؤاله يحمل توبيخًا لطيفًا، فهو يريدهم أن يثقوا به حتى في أحلك الظروف. لقد أراد أن يعلمهم أن وجوده معهم يعني الأمان، حتى لو بدا كل شيء حولهم مفزعًا.
واصل القارب سيره في هدوء نحو الضفة الأخرى، بينما كان التلاميذ يتأملون في ما حدث. كانت العاصفة قد انتهت، لكن عاصفة أخرى من الأسئلة والأفكار كانت تدور في قلوبهم. من هو هذا الذي ينام في العاصفة، ثم يأمر الطبيعة فتطيعه؟ هل هو مجرد معلم، أم هو أكثر من ذلك؟
وهكذا، في ذلك اليوم، لم يهدئ يسوع العاصفة في البحر فقط، بل بدأ يهدئ العواصف في قلوب تلاميذه أيضًا، ليُعدّهم لمعرفة هويته الحقيقية كابن الله المسيطر على كل الخليقة.