**قصة من رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس: الإصحاح الخامس عشر**
في مدينة كورنثوس العظيمة، حيث تموج الحياة بين الأسواق الصاخبة والميناء المليء بالسفن، اجتمع المؤمنون في بيت أحد الإخوة ليسمعوا كلمة الرب. كان الجو لطيفًا، وهبت نسمات البحر عبر النوافذ المفتوحة، حاملةً عبير الزيتون والملح. لكن قلوب بعض المؤمنين كانت مضطربة، إذ تسللت إليهم شكوك حول قيامة الأموات. فكتب إليهم بولس الرسول، رجل الله الغيور، رسالةً تفيض بالحق الإلهي واليقين.
بدأ بولس كلامه بتذكيرهم بالإنجيل الذي بشرهم به، والذي قبلوه ووقفوا عليه: **”أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دُفن، وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب.”** (1 كورنثوس 15: 3-4). كانت كلماته كالنور يخترق الظلام، فذكّرهم كيف ظهر المسيح بعد قيامته لبطرس، ثم للاثني عشر، ثم لأكثر من خمسمئة أخٍ في وقتٍ واحد، ثم ليعقوب، وأخيرًا له هو، بولس، الذي كان مضطهدًا لكنه صار رسولًا بنعمة الله.
ثم انتقل بولس إلى صلب الموضوع، فسألهم: **”إن كان المسيح يُكرز به أنه قام من الأموات، فكيف يقول بعضكم إن ليس قيامة أموات؟”** (1 كورنثوس 15: 12). كان صوته حازمًا كالرعد، لكنه ممتلئ محبة كالأب الذي ينصح أولاده. أوضح لهم أن إنكار القيامة يعني أن إيمانهم باطل، وأنهم بعد في خطاياهم، وأن الراقدين في المسيح قد هلكوا! لكن لا، فالمسيح قد قام، وهو باكورة الراقدين. وكما أن الموت جاء بإنسانٍ واحدٍ، هكذا جاءت القيامة بإنسانٍ واحدٍ. سيُهلك المسيح كل رياسةٍ وسلطانٍ وقوةٍ، ثم يُسلّم الملك لله الآب، بعد أن يطرح الأعداء تحت قدميه.
ثم ارتفع صوت بولس كالمنادي على الجبل، قائلًا: **”يا ليتني أعرَف كيف تقوم الأموات؟ وبأي جسم يأتون؟”** (1 كورنثوس 15: 35). فشرح لهم بالحكمة الإلهية أن الجسد المزروع في الأرض فاسدٌ، لكنه يُقام في مجدٍ، كحبة القمح التي تموت في التراب لتنبت حياةً جديدة. هناك أجساد أرضية، وأجساد سماوية، والمجد يختلف من واحدٍ إلى آخر. فالشمس لها بهاء، والقمر بهاء آخر، والنجوم تختلف في المجد، وهكذا قيامة الأموات.
وأخيرًا، انفجر بولس بتسبيحة النصرة: **”مَتَى لَبِسَ هَذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ، وَلَبِسَ هَذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ، فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ.”** (1 كورنثوس 15: 54). نعم، سيُباد الموت إلى الأبد، وسيهتف المؤمنون: **”أَيْنَ شَوْكَتُكِ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟”** (1 كورنثوس 15: 55).
وختم بولس رسالته بدعوة المؤمنين إلى الثبات والاجتهاد في عمل الرب، عالمين أن تعبهم ليس باطلًا في الرب. فكما أن القيامة حقيقةٌ مضمونةٌ بقيامة المسيح، هكذا سينالون هم أيضًا الحياة الأبدية، ويشاركون المسيح مجده إلى الأبد.
وهكذا، بينما كانت الشمس تغرب خلف جبال كورنثوس، وتتلألأ أمواج البحر تحت ضوء المساء، استقر السلام في قلوب المؤمنين. تذكروا كلمات بولس، وتشجعوا، وعلموا أن نصرتهم مضمونة، لأن المسيح قام، وسيقيمهم هم أيضًا في اليوم الأخير.