**قصة الحكيم وابن الجشع: عظة من أمثال 23**
في قديم الزمان، في مدينة مبنية على تلال فلسطين، كان هناك رجل حكيم يُدعى أليمالك. كان معروفًا بين الناس بحكمته البالغة ومحبته لتعليم الآخرين دروس الحياة وفقًا لكلمة الرب. وفي أحد الأيام، بينما كان جالسًا تحت شجرة زيتون يتأمل في أمور الله، اقترب منه شابٌ طموحٌ يدعى يوناثان. كان يوناثان شابًا ذكيًا لكن قلبه كان ممتلئًا بالجشع والرغبة في الثراء السريع.
بدأ أليمالك يحدث يوناثان بكلمات من الأمثال التي كتبها سليمان الحكيم: **”إِذَا جَلَسْتَ لِتَأْكُلَ مَعَ مُتَسَلِّطٍ، فَتَأَمَّلْ مَا هُوَ قُدَّامَكَ وَضَعْ سِكِّينًا لِحَنْجَرَتِكَ إِنْ كُنْتَ شَبَعَانًا.”** (أمثال 23: 1-2). نظر يوناثان إليه باستغراب، فقال له الحكيم: “يا بني، احذر من مغريات الأغنياء الذين يدعونك إلى موائدهم. فقد يظهرون لك الود، لكن قلوبهم مليئة بالمكر. لا تطمع في طعامهم، لأنهم قد يستعبدونك بديون أو يجرونك إلى خطاياهم.”
لكن يوناثان لم يصغِ لكلام الحكيم. فقد سمع عن رجل ثريٍ يدعى نابال، كان مشهورًا بأطايبه الفاخرة وحفلاته الصاخبة. وفي أحد الأيام، دعا نابال يوناثان إلى وليمة في قصره الفخم. تذكر يوناثان تحذير أليمالك للحظة، لكن رائحة الأطعمة الشهية وأصوات الضحك أغوته، فدخل القصر.
كانت الموائد عامرة بأفخر اللحوم والخمور، وكان نابال يجلس على كرسي مرصع بالذهب، محاطًا بضيوفه الذين يمدحونه طوال الوقت. شعر يوناثان بالإعجاب والرغبة في أن يصبح مثله. لكنه لم يلحظ نظرات نابال الخادعة، الذي كان يخطط لاستغلال ضيوفه. بعد أيام قليلة، طلب نابال من يوناثان أن يقترض منه مالًا بفائدة عالية، وعندما عجز عن السداد، استعبده ليعمل في حقوله كعبدٍ مُذلّ.
تذكر يوناثان كلمات الحكيم وهو يكدح تحت أشعة الشمس الحارقة: **”لاَ تَتْعَبْ لِكَيْ تَصِيرَ غَنِيًّا. كُفَّ عَنْ فِطْنَتِكَ. هَلْ تُطَيِّرُ عَيْنَيْكَ نَحْوَهُ وَهُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ؟”** (أمثال 23: 4-5). ندم الشاب على طمعه وغبائه، لكن الوقت كان قد فات.
وفي تلك الأثناء، سمع أليمالك بمصير يوناثان، فذهب إليه وهو مربوط بالسلاسل. نظر الحكيم إلى تلميذه بعينين حزينتين وقال: **”اِشْتَرِ الْحَقَّ وَلاَ تَبِعْهُ. اِشْتَرِ الْحِكْمَةَ وَالتَّأْدِيبَ وَالْفَهْمَ.”** (أمثال 23: 23). ثم أضاف: “يا بني، لقد حذرتك، لكنك فضلت الخداع الزائل على الحكمة الأبدية. الثروة التي تأتي بالظلم هي كالسراب، تختفي وتتركك عاريًا.”
بعد أيام، تدخل الله برحمته، وأرسل رجلاً تقيًا من أقرباء يوناثان، فدفع دينه وأعتقه. عاد الشاب إلى أليمالك باكيًا، فاحتضنه الحكيم وقال: **”لِأَنَّ مُنْقِذَهُمُ قَوِيٌّ. هُوَ يُخَاصِمُ خُصُومَهُمْ.”** (أمثال 23: 11). ومن ذلك اليوم، تعلم يوناثان أن بركة الرب هي التي تغني، ولا يزيد معها تعبًا.
وهكذا عاش يوناثان بقية أيامه حكيمًا، يُعلّم الآخرين دروسًا من أخطائه، ويذكرهم دائمًا بكلمات سليمان: **”فَإِنَّ الْخِدَاعَ هُوَ فَمُ الأَشْرَارِ، وَالْغِشَّ هُوَ شَفَتَا الْمَاكِرِينَ.”** (أمثال 23: 8). فالحياة الحقيقية ليست في جمع الذهب، بل في السير مع الله بقلبٍ نقيٍ وحكمةٍ مُستنيرة.