**قصة إرسالية التلاميذ الاثني عشر**
في ذلك الزمان، بينما كانت الشمس تشرق بلون ذهبي فوق جبال الجليل، اجتمع التلاميذ حول يسوع، الذي جلس على صخرة مرتفعة تطل على بحيرة طبرية. كان الهواء يعبق برائحة الزعتر البري، وهدير الأمواج يخلق لحناً روحانياً. نظر يسوع إلى تلاميذه الاثني عشر بعينين مليئتين بالحب والحكمة، ثم مد يديه ليباركهم.
“لقد أعطيتكم سلطاناً على الأرواح النجسة حتى تطردوها، وعلى كل مرض وكل ضعف حتى تشفوه”، قال يسوع بصوته الهادئ الذي يحمل قوة غير عادية. شعر التلاميذ برعشة مقدسة تمر في قلوبهم، إذ أدركوا أنهم على وشك الشروع في مهمة عظيمة.
ثم ابتسم يسوع وأضاف: “انطلقوا إلى خراف إسرائيل الضالة. اكرزوا قائلين: قد اقترب ملكوت السماوات.” كانت كلماته كالنور الذي يبدد الظلام، ففهم التلاميذ أن رسالتهم هي إعلان الخلاص والرجاء.
لكن يسوع لم يتركهم دون تحذير. نظر إليهم بعينين جادتين وقال: “ها أنا أرسلكم مثل حملان بين ذئاب.” ارتعدت قلوبهم قليلاً، لكن ثقتهم به جعلتهم يشعرون بالأمان. أوصاهم ألا يحملوا معهم ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقهم، ولا مزوداً للطريق، ولا ثوبين، ولا أحذية، ولا عصاً، لأن “العامل مستحق طعامه.” كان يسوع يعلم أن الله سيرسل لهم من يستضيفهم ويقدم لهم ما يحتاجون إليه.
ثم أوصاهم قائلاً: “ومتى دخلتم قرية أو مدينة، فافحصوا من فيها مستحق، وأقيموا هناك حتى تخرجوا.” كان المقصود أن يبحثوا عن أهل الخير الذين يفتحون قلوبهم لكلمة الله، فيقيمون معهم ويباركونهم.
لكن لم تكن الرسالة ستكون سهلة. نظر يسوع إلى الأفق البعيد، حيث كانت السحب تتجمع، ثم قال: “وإذا أخرجوكم في هذه المدينة، فاهربوا إلى الأخرى.” كان يعلم أن الاضطهاد قادم، لكنه أرادهم أن يتحلوا بالحكمة لا بالخوف.
ثم تابع بكلمات تملأهم شجاعة: “لا تخافوا منهم، لأن ليس شيء مغطى لا يُكشف، ولا مكتوم لا يُعرف.” كان يؤكد لهم أن الحق سينتصر، وأن كل ما يُقال في الظلام سينكشف في النور.
“وما أقوله لكم في الظلمة قولوه في النور، وما تسمعونه بالأذن نادوا به على السطوح!” كان يسوع يشجعهم على الجرأة في الكرازة، دون خوف من البشر.
ثم ذكّرهم بمحبة الله الآب: “أليس عصفوران يباعان بفلس؟ ولا واحد منهما يسقط على الأرض بدون إرادة أبيكم. وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة. فلا تخافوا، أنتم أفضل من عصافير كثيرة!”
كانت هذه الكلمات تمس قلوبهم كالندى على الأرض العطشى. فالله الذي يعتني بالعصافير الصغيرة، سيكون معهم في كل خطوة.
ثم جاءت الكلمات التي ستظل محفورة في أذهانهم إلى الأبد: “فكل من يعترف بي قدام الناس، أعترف أنا أيضا به قدام أبي الذي في السماوات. ولكن من ينكرني قدام الناس، أنكره أنا أيضا قدام أبي الذي في السماوات.”
كان الاختيار واضحاً: إما أن يتبعوه بكل شجاعة، أو يخافوا من العالم. لكن يسوع لم يخفِ عنهم أن رسالته ستسبب انقساماً: “لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض. ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً.” كان يقصد أن الإيمان به سيُحدث فراقاً حتى بين الأقرباء.
“فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها. وأعداء الإنسان أهل بيته.” كانت كلمات صعبة، لكنها حقيقية. فمن يختار أن يتبع المسيح، قد يواجه رفضاً حتى من أحبائه.
لكن في النهاية، كانت الوصية الأخيرة هي الأهم: “من يحب أباً أو أما أكثر مني فلا يستحقني، ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني.” كان الصليب رمزاً للتضحية، وكان يسوع يدعوهم لاتخاذ قرارهم النهائي.
ثم ختم كلامه بالقول: “من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها.” كان السر الحقيقي للحياة الأبدية هو أن يضعوا كل ثقتهم فيه، حتى لو كلفهم ذلك كل شيء.
وهكذا، بعد أن باركهم، انطلق التلاميذ الاثنا عشر، كل اثنين معاً، إلى القرى والمدن المجاورة. كانوا يحملون في قلوبهم نار الكرازة، وفي عيونهم نور الإيمان. وبدأوا يعلمون ويشفون، كما أوصاهم سيدهم.
كانت هذه بداية رحلة إيمان عظيمة، سيتذكرها العالم إلى الأبد.