الكتاب المقدس

الرحلة المقدسة من رعمسيس إلى أرض الموعد

**الرحلة المقدسة: من رعمسيس إلى أرض الموعد**

في أيام الخروج العظيم، عندما حرر الرب بني إسرائيل من نير العبودية في مصر، قادهم موسى النبي وهارون الكاهن في رحلة طويلة عبر البرية. كانت هذه الرحلة مسجلة بدقة في سفر العدد، الإصحاح الثالث والثلاثين، حيث دوّن موسى بقيادة الرب كل محطة من محطات رحلتهم المقدسة.

بدأت الرحلة من **رعمسيس**، المدينة العظيمة التي بناها الفرعون بيد العبيد العبرانيين. وفي يوم الفصح، خرج الشعب بقلوب ممتلئة رجاءً، حاملين معهم عجينهم قبل أن يختمر، وذهب المصريين الذي أعطاهم إياه الرب نعمة في عيونهم. كانت السماء ملبدة بالغيوم، لكن عمود النار أضاء الطريق أمامهم، بينما كان البحر الأحمر يزمجر في الأفق.

عبروا البحر كما على اليابسة، ورأوا بأعينهم جثث المصريين تطفو على الشاطئ. ثم توقفوا في **إيليم**، حيث اثنتا عشرة عين ماء وسبعون نخلة، فاستراحوا هناك تحت ظلال النخيل، يشربون من مياه الحياة التي أعدها الرب لهم. لكن سرعان ما تحول فرحهم إلى تذمر عندما وصلوا إلى **برية سين**، حيث لم يجدوا ماءً. فصرخوا إلى موسى، فأنزل الرب لهم ماءً من الصخرة، لتشربهم ومواشيهم.

ثم ارتحلوا إلى **حضيروت**، حيث عصت مريم على أخيها موسى، فضربها الرب بالبرص سبعة أيام حتى تابت. ومن هناك انتقلوا إلى **رفيديم**، حيث حاربهم عماليق، فرفع موسى يديه إلى السماء، وانتصر يشوع بقيادة الرب. ثم وصلوا إلى **جبل سيناء**، حيث نزل الرب في نار ودخان، وكلّم موسى على الجبل، وأعطاه لوحي الشريعة.

لكن الخطيئة كانت تتربص بهم. فعندما توقفوا في **قبروت هتأوة**، اشتهوا اللحم، فأنزل الرب عليهم السماني حتى اختنقوا به. ثم في **حصروت**، ثار الشعب على موسى وهارون، فحكم الرب أن الجيل الذي خرج من مصر لن يدخل الأرض الموعودة إلا يشوع وكالب.

ومع كل محطة، كان الرب يذكّرهم بأن الطريق إلى أرض الموعد ليس سهلاً. فعندما وصلوا إلى **قادش**، في برية صين، ماتت مريم ودفنت هناك. ثم تذمروا مرة أخرى على عدم وجود ماء، فضرب موسى الصخرة مرتين بدلاً من مرة واحدة كما أمره الرب، فحُرم من دخول الأرض المقدسة.

ثم انطلقوا إلى **جبل هور**، حيث صعد هارون مع ابنه ألعازار وموسى، ونزع الرب ثياب الكهنوت من هارون وانتقلت إلى ابنه، ثم مات هارون هناك. فحزن الشعب عليه ثلاثين يوماً.

ومن هناك، اتجهوا جنوباً نحو **إيلات** على شاطئ البحر الأحمر، ثم عادوا عبر **موآب**، حيث حاول بلعام أن يلعنهم، لكن الرب حول اللعنة إلى بركة. وأخيراً، نزلوا في **سهول موآب** مقابل أريحا، حيث رأوا الأرض الموعودة تمتد أمامهم عبر نهر الأردن.

وهناك، على حدود الأرض، أوصاهم الرب أن يطردوا كل سكان الأرض، ويهدموا أصنامهم، لئلا تصير هذه الأوثان فخاً لهم. فقد كان الرب قد أعطاهم الأرض، لكن النصر كان مشروطاً بإخلاصهم له.

وهكذا، كانت كل محطة في رحلتهم درساً في الإيمان والعصيان، في الرحمة والدينونة. لقد قادهم الرب عبر النار والماء ليقدسهم، لأن الطريق إلى أرض الموعد لم يكن مجرد رحلة جغرافية، بل رحلة قلبية نحو الملكوت.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *