**قصة داود وبَثْشَبَع: اختبار الملك وسقوطه**
في أيام ازدهار مملكة إسرائيل، حين كان الرب يُعطي داود النصرة على جميع أعدائه، وقع حدثٌ غيّر مسيرة حياته إلى الأبد. كان الربيع وقتَ خروج الملوك للحرب، كما جرت العادة. فخرج يوآب قائد الجيش مع جميع جند إسرائيل ليحاربوا بني عمون ويحاصروا مدينة رَبّة. لكن داود الملك بقي في أورشليم، ولم يخرج معهم.
وفي أحد الأيام، بعد الظهيرة، استيقظ داود من نومه وتجول على سطح القصر الملكي. ومن هناك رأى امرأة تستحم على سطح بيتها المجاور. كانت جميلة جداً، تلمع بشرتها تحت أشعة الشمس، وشعرها الأسود الطويل ينسدل على كتفيها كحرير. سأل داود عن هويتها، فأخبروه أنها بَثْشَبَع بنت أليعام، زوجة أوريا الحثي، أحد أبطال جيشه المخلصين.
لكن نظرة داود إليها أشعلت شهوة في قلبه، فنسي وصية الرب: “لا تشتهِ امرأة قريبك”. أرسل خدمه ليأتوا بها إلى القصر، وعاش معها خطيئة الزنى، ثم عادت إلى بيتها. ولكن بعد أسابيع، أرسلت بَثْشَبَع إليه رسالة تقول: “إني حبلى”.
ارتعب داود، فلم يعد الأمر مجرد شهوة عابرة، بل صار تهديداً لعرشه وسمعته. حاول أن يغطي خطيئته، فأرسل إلى يوآب يطلب إرسال أوريا الزوج من ساحة المعركة. وعندما جاء أوريا، استقبله داود بسخاء وسأله عن أحوال الحرب، ثم قال له: “انزل إلى بيتك واغتسل”. كان داود يأمل أن ينام أوريا مع زوجته، فيظن الناس أن الحمل منه. لكن أوريا، وهو الجندي الأمين، رفض أن يستمتع بزوجته بينما رفاقه يقاتلون في الميدان. فبات عند باب القصر مع حراس الملك.
غضب داود وأرسل إلى يوآب مرة أخرى، هذه المرة بخطة شيطانية: “ضعوا أوريا في الصف الأول من المعركة حيث تكون النيران شديدة، ثم تراجعون عنه ليموت”. نفذ يوآب الأمر، وسقط أوريا مع بعض الجنود في المعركة. وعندما سمعت بَثْشَبَع بموت زوجها، ناحت عليه. وبعد انقضاء أيام الحداد، أخذها داود زوجة له، فولدت له ابناً.
لكن الرب رأى الشر الذي فعله داود، فغضب عليه. وأرسل إليه النبي ناثان، الذي حكى له قصة الرجل الغني الذي أخذ الخروف الوحيد للرجل الفقير. فانفعل داود غضباً وقال: “حياً هو الرب، إن الرجل الذي فعل هذا مستحق للموت!” فأجابه ناثان: “أنت هو الرجل!”. وانكسر قلب داود، فاعترف بخطيئته، لكن العقاب كان شديداً: “السيف لن يفارق بيتك إلى الأبد”.
وهكذا، وقع أعظم ملوك إسرائيل في الخطيئة، لكن توبته العميقة جعلته مثالاً للخاطئ الذي يرجع إلى الرب. ومع أن ابنه من بَثْشَبَع مات، إلا أن الرب رحمهما فيما بعد وأعطاهما سليمان، الذي بنى الهيكل وصار من أبرز ملوك إسرائيل.
هذه القصة تذكرنا بأن الخطيئة تبدأ بنظرة، ثم شهوة، ثم موت روحي. لكن نعمة الله أعظم، فمن يقر بذنبه ويتوب يجد غفراناً.