الكتاب المقدس

ثقة داود في الله وسط الضيق: قصة مزمور ٥٦

**قصة مزمور ٥٦: ثقة داود في وسط الضيق**

في أيام الملك شاول، عندما كان داود يهرب من وجه الملك الغاضب الذي كان يبحث عنه ليقتله، وجد نفسه في مواقف صعبة وكثيرة. لكن في كل مرة، كان يتذكر أن الله معه، وأنه لن يتخلى عنه أبداً. ومن بين هذه المواقف، جاءت قصة مزمور ٥٦، الذي كتبه داود عندما أمسكه الفلسطينيون في جَتّ.

### **الخطر يُحيط بداود**
بعد أن هرب داود من شاول، فكّر أن يلجأ إلى أرض الفلسطينيين، ظانّاً أنهم لن يتعرفوا عليه هناك. لكنه نسي أن شهرته كبطل قتل جليات الجبار كانت قد انتشرت في كل مكان. فلما دخل مدينة جَتّ، عرفه رجال الملك أخيش وقالوا: “أليس هذا داود ملك الأرض؟ أليس هو الذي كانوا يرقصون له ويقولون: ‘قتل شاول ألوفه، وداود عشيراته’؟” (١ صموئيل ٢١: ١١).

شعر داود بالخطر يحيط به من كل جانب. فلو اكتشف الفلسطينيون هويته الحقيقية، لقتلوه دون شك. وفي لحظة اليأس، تظاهر بالجنون، فجعل يسيل لعابه على لحيته ويخدش على أبواب المدينة حتى ظنّ الملك أخيش أنه مجنون لا يستحق القتل. (١ صموئيل ٢١: ١٣). وهكذا نجا داود من الموت المحقق.

### **الصلاة في قلب المحنة**
رغم أن داود نجَا في تلك اللحظة، إلا أن الخوف ظل يطارده. ففي الغربة، بعيداً عن أرض الله وشعبه، شعر بالضعف والوحدة. لكن بدلاً من أن يستسلم للخوف، رفع عينيه إلى السماء وصلى من أعماق قلبه، وكتب المزمور ٥٦، الذي يبدأ بهذه الكلمات:

**”ارحمني يا الله، لأن الإنسان قد ابتلعني. هو يُقاتلني ويضايقني كل النهار.”** (مزمور ٥٦: ١).

لقد شعر داود كأن أعداءه مثل وحش مفترس يريد أن يبتلعه، يطاردونه كل يوم بلا رحمة. لكنه لم يضع ثقته في قوته أو حيلته، بل في الله الحي. فقال:

**”في اليوم الذي أخاف فيه، أنا أتكل عليك. بالله أتكل، فلا أخاف. ماذا يصنع بي البشر؟”** (مزمور ٥٦: ٣-٤).

### **الله يحصي دموعه**
في تلك الأيام الصعبة، بكى داود كثيراً. لكنه علم أن الله لا يغفل عن دموع عبيده. فقال بإيمان عظيم:

**”أنت عددت تشردي. اجعل دموعي في زقك. أليست هي في سفرك؟”** (مزمور ٥٦: ٨).

نعم، يا داود! الله لا ينسى ألمك. فهو يحصي كل دمعة تسقط من عينيك، ويسجلها في سفر ذكراه. فالله ليس بعيداً عن أحزاننا، بل هو قريب من كل منكسري القلب.

### **النصر بالإيمان**
رغم أن الأعداء كانوا يتربصون به، إلا أن داود كان واثقاً أن الله سينصره. فاختتم مزموره بكلمات النصر:

**”على الله توكلت، فلا أخاف. ماذا يصنع بي الإنسان؟ عليك يا الله نذوري. أؤدي لك تسابيح. لأنك نجيت نفسي من الموت، ألم تنجِ رجليّ من التعثر، لأسير أمام الله في نور الأحياء؟”** (مزمور ٥٦: ١١-١٣).

نعم، لقد أنقذ الله داود، وأعاده سالماً إلى أرض يهوذا. وفي كل مرة كان يتذكر هذه التجربة، كان يشكر الله لأنه لم يتخلَّ عنه، بل سانده في أحلك الأوقات.

### **العبرة لنا اليوم**
قصة داود في جَتّ تعلّمنا أن الحياة قد تأتي بضيقات ومخاوف، لكن الله أكبر من كل مشكلة. فمهما كان الخطر عظيماً، ومهما بدا المستقبل مظلماً، فإن الله يحصي دموعنا، ويسمع صلواتنا، وسينقذنا في الوقت المناسب.

لذلك، لنثق به كما وثق داود، ولنقل معه: **”بالله أتكل، فلا أخاف. ماذا يصنع بي الإنسان؟”** (مزمور ٥٦: ١١).

فالله أمين، ولن يتخلى عن الذين يتكلون عليه.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *