الكتاب المقدس

إرميا وباروخ: الإيمان في زمن الدمار

**قصة النبي إرميا وباروخ الكاتب**

في الأيام العصيبة التي سبقت سقوط أورشليم، عندما كان غضب الرب قد أشتد على شعبه بسبب خطاياهم المتكررة وعنادهم، كان هناك رجل أمين يدعى باروخ بن نيريا. كان باروخ كاتبًا مخلصًا للنبي إرميا، يسجل كل الكلمات التي يتلقاها النبي من الرب لتحذير الشعب.

كانت الأجواء في المدينة ثقيلة بالخوف والقلق. جيوش بابل تحاصر أورشليم، والناس بين منكر للخطر ومن يائس من النجاة. في وسط هذه الفوضى، وقف باروخ إلى جانب إرميا، يساعده في تبليغ رسائل الرب القاسية ولكن الضرورية. ومع ذلك، كان قلب باروخ مثقلًا بالحزن والتعب.

في أحد الأيام، بينما كان باروخ يجلس في حجرته، ينقل كلمات النبوءة على اللفافة، شعر بثقل شديد في قلبه. رفع عينيه إلى السماء وتنهد قائلًا: “يا ويلتي! لقد أعياني حزني، وتعبني تنهدي. لماذا أجد تعبًا في تعبي، وألمًا في خدمتي؟ أين الراحة التي وعدت بها؟”

سمع الرب صرخة باروخ، فأوحى إلى إرميا برسالة خاصة لخادمه الأمين. توجه إرميا إلى باروخ وقال له: “هكذا يقول الرب، إله إسرائيل، عنك يا باروخ: أنت تقول: ‘ويل لي، لأن الرب قد زاد حزني على تعبي، وقد سئمت من تنهدي ولم أجد راحة!’ لكن اسمع كلمة الرب: ها أنا أنزع ما بنيته وأقلع ما غرسته، أي كل هذه الأرض. أفتطلب لنفسك عظائم؟ لا تطلب! لأني هأنذا جالب شرًا على كل ذي جسد، يقول الرب. وأعطيك نفسك غنيمة في كل مكان تذهب إليه.”

تلقى باروخ هذه الكلمات بخشوع. لقد فهم أن الرب لا يعد بإزالة الألم القادم، بل يذكره بأن الخلاص الحقيقي ليس في المجد الأرضي أو الراحة الزائلة، بل في الثقة بإرادة الرب حتى في أحلك الأوقات. عرف باروخ أن دوره ليس في طلب العظائم لنفسه، بل في البقاء أمينًا في خدمة الرب، حتى لو كانت الأرض كلها تهتز من حوله.

ومنذ ذلك اليوم، واصل باروخ عمله بتواضع وإيمان، عارفًا أن الله معه حتى في المنفى والدمار. لم تكن وعود الرب دائمًا بالرخاء، ولكنها كانت دائمًا بالحضور الإلهي في وسط المحنة. وهكذا، أصبحت حياة باروخ مثالًا للإيمان الراسخ، حتى عندما تبدو كل الظروف ضد راحة الإنسان.

**الخلاصة الروحية**

تعلمنا قصة باروخ أن الإيمان الحقيقي لا يعتمد على الظروف الخارجية، بل على الثقة في عدل الرب وحكمته. فحتى عندما تأتي الدينونة، يبقى للبار رجاؤه في الله. وكما قال الرب لإرميا وباروخ، فإنه يقول لنا اليوم: “لا تطلبوا العظائم لأنفسكم في عالم زائل، بل اطلبوا وجهي، وأنا أرشدكم في كل طريق.”

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *