**قصة إرميا وشجرة الزيتون البرية**
في أيام قديمة، عندما كانت مملكة يهوذا تتأرجح بين الولاء لله والانجذاب إلى أصنام الأمم، وقف النبي إرميا في ساحة الهيكل، ينظر إلى شجرة زيتون برية نبتت عند سور المدينة. كانت أغصانها متشعبة، وأوراقها خضراء مائلة إلى الرمادي، لكنها لم تثمر إلا ثماراً صغيرة مرة. ومع ذلك، ظلت صامدة في وجه الرياح والعواصف، جذورها ممتدة في أرض صخرية.
تأمل إرميا في هذه الشجرة، ثم رفع عينيه إلى السماء وقال: “يا رب، لقد غرست شعب إسرائيل كزيتونة طيبة في أرض خصبة، لكنهم كسروا عهدك واتبعوا آلهة غريبة. فماذا ستفعل بهم؟”
فجاءه صوت الرب: “يا إرميا، هل ترى هذه الزيتونة البرية؟ إن شعبي قد تكبروا في الغرور، وظنوا أن الجذور تحملهم دون حاجتهم إليّ. لذلك سأقطع بعض الأغصان التي لم تثمر، وسأطعّم مكانها أغصاناً من هذه الزيتونة البرية، من الأمم الذين لم يعرفوني، لكنهم سيُطعّمون بالإيمان.”
ارتعد إرميا وقال: “أيها الرب، هل ستترك شعبك تماماً؟”
فأجاب الرب: “لا، لأني إن قطعتهم لأجل عدم إيمانهم، فأنت أيضاً، يا إرميا، الذي من الشعب القديم، ستُقطع! لكن انظر إلى الزراع: عندما يسقط حب القمح في الأرض ويموت، فإنه يأتي بثمر كثير. هكذا سقط إسرائيل لكي تُفتح الباب للأمم. ولكن كما أن الزيتونة البرية لا تحمل الحياة من ذاتها، بل فقط لأنها طُعّمت في الأصل الطيب، فكذلك الأمم—إن تمسكوا بالإيمان، ينالون البركة، وإن تكبروا، سيُقطعوا أيضاً.”
ثم أظهر الرب لإرميا رؤيا: رأى بستاناً عظيماً، فيه أشجار زيتون قديمة وأغصان جديدة. بعض الأغصان الأصلية كُسرت، لكنها لم تُلقَ بعيداً، بل وُضعت في مكان مظلل، وكأنها تنتظر. فقال الرب: “كما أني قادر أن أقطع وأطعّم، فأنا قادر أيضاً أن أُعيد التطعيم من جديد. فلو أن الأغصان المقطوعة تابَت وآمنت، فسأردّها إلى أصلها، لأن موهبتي ودعوتي بلا ندامة.”
فهم إرميا أن رحمة الله أعظم من كل خطية، وأن قصده يشمل اليهود والأمم معاً. فسجد وقال: “يا رب، ما أعمق غنى حكمتك! من عرف فكرك، أو من صار له مشيراً؟ كل الأشياء منك، ولك، وإليك. لك المجد إلى الأبد!”
وهكذا، بقيت الزيتونة البرية والأصلية تشهدان على أن الله لا يترك شعبه، بل يفتح الباب للجميع، محذراً إياهم من الكبرياء، وداعياً إياهم إلى الإيمان المتواضع.