الكتاب المقدس

مدن الملجأ: رحمة الله في العدالة

**قصة مدن الملجأ: رحمة الله في العدالة**

في تلك الأيام القديمة، عندما كان بنو إسرائيل يسكنون الأرض التي أعطاهم إياها الرب، جاء موسى النبي بكلمة من الله لتكون لهم شريعة وعادلة. وكان من بين الأحكام التي أوحى بها الرب أمراً عظيماً يتعلق بالرحمة والعدل، وهو أمر **مدن الملجأ**.

### **الأرض الموعودة والعدالة الإلهية**

بعد أن عبر بنو إسرائيل نهر الأردن بقيادة يشوع، وقسّموا الأرض بين أسباطهم، أوصى الرب أن يُفرزوا ست مدن تكون **ملجأً للقاتل الذي قتل صاحبه عن غير عمد**. كانت هذه المدن موزعة في أنحاء الأرض، ثلاثاً في عبر الأردن وثلاثاً في أرض كنعان، حتى لا يكون الطريق بعيداً على من يحتاج إلى الهرب إليها.

### **قصة القاتل غير المتعمّد**

في أحد الأيام، بينما كان رجل اسمه **ألياقيم** يعمل في حقله مع أخيه **حننيا**، حدثت مصيبة لم تكن في الحسبان. فقد كانا يقطعان خشباً لبناء سقف جديد لبيت العائلة، وإذ بفأس ألياقيم ينزلق من يده وهو يضرب بها جذع الشجرة، فيصيب أخاه حننيا في رأسه، فيسقط ميتاً في الحال.

صُعق ألياقيم، وامتلأ قلبه رعباً وحزناً. لقد أحب أخاه، ولم يكن في نيته أبداً أن يؤذيه. ولكن الدم قد سال، والقانون يقول: “النفس بالنفس”. وعرف أن ولي الدم، وهو قريب حننيا، قد يطارده ليثأر له. فما كان منه إلا أن ترك كل شيء وهرب باتجاه أقرب مدينة ملجأ، وهي **قادش** في أرض نفتالي.

### **المطاردة والوصول إلى الملجأ**

رآه بعض المارّة يركض بسرعة، وعرفوا ما حدث. فانتشر الخبر سريعاً، وسمع به **رفائيل**، ابن عم حننيا، الذي امتلأ غضباً وأقسم أن يقتل ألياقيم. فأخذ سيفه وتبع أثره. لكن بعض الشيوخ في القرية حاولوا أن يوقفوه، قائلين: “إن كان قد قتل عن غير عمد، فليذهب إلى مدينة الملجأ ولتحكم عليه الشريعة”. لكن رفائيل لم يصغِ لكلامهم، واستمر في مطاردته.

ركض ألياقيم بكل ما أوتي من قوة، حتى وصل إلى أسوار قادش. وعند البوابة، وقف أمام الشيوخ وصاح: “أنا لم أقتل عن عمد! أنا لم أكره أخي في قلبي! إنها حادثة مؤسفة!” فاستقبلوه وأدخلوه إلى المدينة، وأعطوه مكاناً يأكل فيه ويشرب حتى يُنظر في أمره.

### **المحاكمة أمام الشيوخ**

بعد أيام، جاء رفائيل ومعه جماعة من عشيرته إلى المدينة، مطالبين بتسليم ألياقيم ليموت. فاجتمع شيوخ المدينة، وجمعوا شهوداً من القرية التي حدثت فيها الحادثة. وبعد التحقيق، تأكدوا أن ألياقيم لم يكن يضمر شراً لأخيه، وأن الضربة كانت خطأً محضاً.

فحكموا بأنه **غير مذنب بالقتل العمد**، وأمره الشيوخ أن يبقى في مدينة الملجأ، تحت حمايتها، حتى يموت الكاهن الأعظم في تلك الفترة. فإن خرج قبل ذلك، كان لوليّ الدم أن يقتله بغير إثم.

### **رحمة الله في العدالة**

عاش ألياقيم في قادش سنوات طويلة، يتعلم الشريعة ويعمل بأيديه. وكان يتذكر كل يوم كيف أنقذه الله من الموت بفضل هذه الشريعة العادلة. وعندما مات الكاهن الأعظم، خرج أخيراً وعاد إلى قريته، حيث قابل رفائيل الذي عفا عنه بعد أن هدأ غضبه.

وهكذا، كانت **مدن الملجأ** مثالاً على رحمة الله حتى في أحكام العدالة. فقد فرقّ الرب بين القاتل المتعمد والقاتل الخطأ، لئلا يُسفك دم بريء. وكانت هذه الشريعة تذكيراً لشعبه بأن الله **رحيم وعادل**، لا يرضى بالظلم، لكنه يفتح باب التوبة والرحمة لمن أخطأ دون قصد.

فسبحان من جعل في شريعته موازين العدل والرحمة!

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *