الكتاب المقدس

قصة يثرون وحكمة المشورة في البرية

**قصة يثرون وحكمة المشورة**

في أرض مديان، حيث الرمال الذهبية تمتد تحت أشعة الشمس الحارقة، عاش رجل حكيم اسمه يثرون، كاهن مديان وحمو موسى. كان يثرون رجلاً طويل القامة، ذا لحية بيضاء تتدفق مثل نهر من الحكمة، وعينين تلمعان ببصيرة عميقة. وقد سمع عن كل ما صنعه الله لموسى وشعب إسرائيل، كيف أخرجهم من أرض مصر بعجائب مدهشة، وكيف شق لهم البحر الأحمر طريقاً يابساً، وكيف أنزل لهم المنّ والسلوى من السماء.

وفي يوم من الأيام، بينما كان موسى يقود الشعب في برية سيناء، جاء يثرون إلى المحلة ومعه صفورة زوجة موسى وابناهما جرشوم وأليعازر. كان موسى قد أرسلهما إلى يثرون أثناء الأحداث العظيمة في مصر، خوفاً عليهما من الضربات التي حلّت بفرعون وشعبه.

فلما سمع موسى بقدوم حميه، خرج لاستقباله بفرح عظيم. انحنى موسى أمام يثرون وقبّله، ثم سأله عن أحواله وأحوال عائلته. دخل الاثنان إلى خيمة موسى، وجلسا يتحدثان عن كل ما فعله الرب لإسرائيل. استمع يثرون باهتمام بينما روى موسى كيف أنقذهم الله من أيدي المصريين، وكيف قادهم عبر البرية بعمود سحاب نهاراً وعمود نار ليلاً.

فتعجب يثرون وقال: **”مبارك الرب الذي أنقذكم من أيدي فرعون ومن أيدي المصريين! الآن علمت أن الرب أعظم من جميع الآلهة، لأنه أنقذكم عندما تكبّر المصريون عليكم.”** ثم قدم يثرون محرقة وذبائح لله، وجاء هارون وجميع شيوخ إسرائيل ليأكلوا معه أمام الله بفرح.

وفي اليوم التالي، رأى يثرون موسى جالساً من الصباح حتى المساء، والشعب واقف حوله ينتظرون أن يحكم بينهم في خصوماتهم. كان موسى وحده يفسر شرائع الله ويحلّ النزاعات، فتعِب تعباً شديداً.

فدنا يثرون منه وقال: **”ما هذا الأمر الذي أنت صانع بالشعب؟ لماذا تجلس وحدك، وكل الشعب واقف حولك من الصباح إلى المساء؟”**

أجاب موسى: **”لأن الشعب يأتي إليّ لاستشارة الله. عندما يكون لهم نزاع، يأتون إليّ، فأقضي بينهم وأعرّفهم فرائض الله وتعاليمه.”**

فقال يثرون لموسى: **”ما تفعله ليس صالحاً. إنك ستُنهك نفسك وهذا الشعب الذي معك، لأن الأمر أعظم من طاقتك. لا تستطيع أن تقوم به وحدك.”**

ثم قدم له نصيحة حكيمة: **”الآن اسمع كلامي. ليكن الله معك. أنت كن أمام الله للشعب، وقدم أعمالهم إلى الله. وعلمهم الفرائض والشرائع، وعرّفهم الطريق الذي يسلكونه والعمل الذي يعملونه. ولكن انظر من بين الشعب رجالاً أكفاء، خائفين الله، أمناء، مبغضين الرشوة، واقمهم عليهم رؤساء ألوف، ورؤساء مئات، ورؤساء خماسين، ورؤساء عشرات. فليحكموا للشعب في كل وقت. فإذا كان الأمر العظيم، يرفعونه إليك، وأما الأمر الصغير فيحكمون فيه هم. هكذا تخفّ عن نفسك، ويحملون معك.”**

فاستمع موسى لكلام يثرون، وفعل كل ما قاله. اختار رجالاً حكماء من بين جميع أسباط إسرائيل، وجعلهم رؤساء على الشعب. فكانوا يحكمون في القضايا الصعبة ويحلون النزاعات، بينما كانوا يرفعون إليه الأمور العسيرة فقط.

وهكذا، بتلك الحكمة، تشارك موسى والرؤساء أعباء القيادة، وسار الشعب في طريق الحق والعدل. ثم ودع يثرون موسى وعاد إلى أرضه، لكن كلماته بقيت نبراساً للحكمة والتدبير في قلب موسى وفي تاريخ شعب الله.

وهكذا نرى كيف أن مشورة الحكماء، عندما تكون موافقة لمشيئة الله، تصنع خيراً عظيماً وتخفف الأثقال، وتجعل خدمة الرب أكثر فاعلية وبركة.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *