**قصة نَحَمْيَا وَتَسْجِيلِ أَسْمَاءِ الْعَائِلَاتِ**
فِي الْيَوْمِ الَّذِي اكْتَمَلَ فِيهِ بِنَاءُ سُورِ أُورُشَلِيمَ، وَقَفَ نَحَمْيَا، وَالْحَاكِمُ الْأَمِينُ عَلَى يَهُوذَا، يَنْظُرُ إِلَى الْحِجَارَةِ الْمَصْقُولَةِ وَالْأَبْوَابِ الْمُحْكَمَةِ الَّتِي أَصْبَحَتْ حِصْنًا لِشَعْبِ اللَّهِ. كَانَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ خَلْفَ الْجِبَالِ، وَتُلْقِي بِظِلالِهَا الذَّهَبِيَّةِ عَلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، فَشَعَرَ بِسُكُونٍ عَمِيقٍ وَامْتِنَانٍ لِلرَّبِّ الَّذِي أَعَانَهُ وَالشَّعْبَ فِي هَذَا الْعَمَلِ الْعَظِيمِ.
لَكِنَّ نَحَمْيَا لَمْ يَكُنْ رَجُلًا يَرْكَنُ إِلَى الرَّاحَةِ. فَقَلْبُهُ كَانَ يَنْبِضُ بِهَمٍّ جَدِيدٍ: “الْمَدِينَةُ وَاسِعَةٌ وَعَظِيمَةٌ، وَلَكِنَّ سُكَّانَهَا قَلِيلُونَ، وَالْبُيُوتُ لَمْ تُبْنَ بَعْدُ!” كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ السُّورَ وَحْدَهُ لَنْ يُحَافِظَ عَلَى أُمْنِ أُورُشَلِيمَ إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَعْبٌ أَمِينٌ يَسْكُنُ فِيهَا وَيَحْرُسُهَا.
فَدَعَا نَحَمْيَا قَادَةَ الْمَدِينَةِ وَالْكَهَنَةَ، وَأَمَامَهُمْ وَضَعَ خُطَّةً حَكِيمَةً: “سَنُسَجِّلُ أَسْمَاءَ كُلِّ الْعَائِلَاتِ الَّتِي عَادَتْ مِنَ السَّبْيِ، لِنَعْرِفَ مَنْ يَسْتَحِقُّ السَّكَنَ فِي الْمَدِينَةِ.” وَكَانَ هُنَاكَ سِجِلٌّ قَدِيمٌ، كُتِبَ فِي أَيَّامِ زَرُبَّابِلَ، يَحْمِلُ أَسْمَاءَ الَّذِينَ رَجَعُوا مَعَهُ مِنْ بَابِلَ. فَأَخْرَجَ نَحَمْيَا الدَّفْتَرَ الْعَتِيقَ، وَبَدَأَ الْكَتَبَةُ يَقْرَءُونَهُ بِصَوْتٍ عَالٍ.
**سِجِلُّ الْأَنْسَابِ**
وَاحِدًا تِلْوَ الْآخَرِ، تَتَبَّعُوا أَسْمَاءَ رِجَالِ يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ، وَالْكَهَنَةِ، وَاللاَّوِيِّينَ، وَالْمُغَنِّينَ، وَحَتَّى الْعَبِيدِ الَّذِينَ صَارُوا جُزْءًا مِنْ شَعْبِ اللَّهِ. كَانَتْ كُلُّ اسْمٍ يَحْمِلُ قِصَّةً:
– “بَنُو فَرَعْشَ”، الَّذِينَ عَادُوا بِقَلْبٍ وَاحِدٍ لِبِنَاءِ بَيْتِ الرَّبِّ.
– “بَنُو سَنَآةَ”، وَكَانُوا مِنَ الْفُقَرَاءِ، لَكِنَّهُمْ قَدَّمُوا مَا يَمْلِكُونَ لِخِدْمَةِ الْمَقْدِسِ.
– “بَنُو حَارِيفَ”، الَّذِينَ تَمَيَّزُوا بِالْحِكْمَةِ وَكَانُوا مُعَلِّمِينَ لِلشَّرِيعَةِ.
وَكَانَ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ رِجَالٌ لَمْ يَسْتَطِيعُوا إِثْبَاتَ نَسَبِهِمْ إِلَى سِبْطِ إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ نَحَمْيَا: “لَنْ يَكُونَ لَهُمْ نَصِيبٌ فِي خِدْمَةِ الْهَيْكَلِ حَتَّى يَظْهَرَ أَمْرُهُمْ.” فَإِنَّ الدِّقَّةَ فِي التَّسْجِيلِ كَانَتْ ضَرُورِيَّةً لِحِفْظِ نَقَاءِ الشَّعْبِ وَعِبَادَتِهِ.
**تَرْتِيبُ الْخِدْمَاتِ**
ثُمَّ قَسَّمَ نَحَمْيَا الشَّعْبَ لِيَخْدُمُوا فِي الْمَدِينَةِ وَحَوْلَهَا. فَجَعَلَ بَعْضَهُمْ حُرَّاسًا عَلَى الْأَبْوَابِ، وَآخَرِينَ زُرَّاعًا لِيُؤَمِّنُوا الطَّعَامَ، وَالْكَهَنَةَ لِيُقِيمُوا الذَّبَائِحَ. وَأَوْصَاهُمْ قَائِلًا: “لَا تَفْتَحُوا الْأَبْوَابَ قَبْلَ شُروقِ الشَّمْسِ، وَأَغْلِقُوهَا وَأَنْتُمْ وَاقِفُونَ عَلَى الْحِرَاسَةِ، لِكَيْ لَا يَتَسَلَّلَ الْأَعْدَاءُ إِلَيْنَا!”
وَفِي نِهَايَةِ الْيَوْمِ، رَفَعَ نَحَمْيَا يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَصَلَّى: “يَا رَبَّنَا، أَنْتَ الَّذِي حَفِظْتَنَا وَأَعْطَيْتَنَا النَّجَاحَ. فَاحْفَظْ هَذَا الشَّعْبَ الْيَوْمَ وَكُلَّ يَوْمٍ، وَاجْعَلْهُمْ أُمَّةً مُخْلِصَةً لَكَ!”
وَهَكَذَا، بِالتَّدْبِيرِ وَالْإِيمَانِ، أَصْبَحَتْ أُورُشَلِيمُ لِلرَّبِّ مَرَّةً أُخْرَى.