الكتاب المقدس

رؤيا إشعياء عن دينونة وخلاص أورشليم

**قصة إشعياء 29: الرؤيا والنبوة عن أورشليم**

في تلك الأيام، عندما كانت أورشليم تزهو بجمالها وتفاخر بقوتها، أرسل الرب كلمته إلى النبي إشعياء ليعلن عليها دينونة ورحمة. كانت المدينة التي تدعى “أريئيل”، أي موقد الله، قد تحولت إلى مكانٍ للكبرياء والغطرسة. فابتدأ النبي يتكلم بكلمات تحمل تحذيرًا شديدًا، لكنها أيضًا تفيض بوعدٍ إلهي عجيب.

### **الدينونة على أورشليم**

قال الرب: “ويل لأريئيل، لأريئيل، المدينة التي فيها نزل داود! أضيفوا سنة إلى سنة، ولتحتفلوا بالأعياد. لكني سأضيّق على أريئيل، فيكون الحزن والنوح، وتصير لي كموقد نار.”

كانت أورشليم تعيش في غفلة، تظن أن أسوارها المنيعة وجيشها القوي يحميانها من كل شر. لكن الرب كشف لإشعياء أن الأعداء سوف يحيطون بها كالسيل الجارف، ويحاصرونها حتى تذوق الذل. سيصمت صوت الفرح، وتتحول القصور إلى ركام، ويصير صوت المغنين نوحًا.

ورأى النبي جيوشًا كثيرة تقترب كالغيم الداكن، تقتحم الأسوار وتدوس المدينة تحت الأقدام. لكن الرب أكد أن هذا كله ليس إلا تأديبًا مؤقتًا، لأن غضبه لا يدوم إلى الأبد.

### **عمى الشعب وعناد القادة**

ثم كشف الرب لإشعياء سبب الدينونة: “قد اقترب مني هذا الشعب بفمه، وأكرمني بشفتيه، أما قلبه فبعيد عني.” كانوا يقدمون الذبائح ويحفظون الطقوس، لكن قلوبهم مليئة بالرياء. فصاروا كالأعمى الذي يتخبط في الظلام، أو كالنائم الذي يحلم أنه يأكل ويشرب، ثم يستيقظ فلا يجد شيئًا.

حتى الحكماء والكتبة، الذين يفترض أنهم قادة الشعب في الحق، صاروا غير قادرين على فهم مشيئة الله. فأعلن الرب: “أذهانهم مختومة، كتبهم مغلقة. إذا قُدِّمَت لعالِمٍ أو لأميٍ، يقول: لا أستطيع قراءتها، لأنها مختومة.” لقد فقدوا البصيرة الروحية، فلم يعودوا يميزون بين الحق والباطل.

### **وعد الله بالخلاص**

لكن وسط الظلام، أعلن الرب نور رحمته: “أما بعد قليل، فيصير لبنان بستانًا، والبستان يُحسب وعرًا.” فكما تتحول الأرض القاحلة إلى جنان خضراء، سيعيد الله مجد أورشليم.

وتكلم الرب عن يومٍ عظيمٍ فيه “يُذهَب بظلمة الشعب، فينظرون بعيونهم، ويسمع الصمّ كلام الكتاب، وينطق الأخرس بترنيم.” فبالرغم من العقاب، فإن الله سيعمل معجزة في وسط شعبه، فيفتح أعين العمي وآذان الصم، ويردّ القلوب القاسية إليه.

وفي ذلك اليوم، سيفهم المتواضعون كلام الله، ويفرح المساكين بالرب. أما المتكبرون والمستهزئون فسيخزون، لأن الله سيكسر كبرياءهم. “فها أنا صانع عملًا في أيامكم، لا تصدقونه لو حُكِيَ لكم.”

### **الخلاصة: الدينونة والرجاء**

وهكذا ختم إشعياء النبوة بكلمتين عظيمتين: الدينونة على الخطية، والوعد بالخلاص. فإن أورشليم، وإن عاقبها الرب لتمردها، فإنه لن ينساها إلى الأبد. ففي النهاية، سيتغير القلب الحجري إلى قلبٍ من لحم، وسيعود المجد إلى مدينة الله.

لأن الرب إله رحيم، يعاقب من يحب، لكنه لا يرفضهم إلى المنتهى. وهكذا تبقى كلمته نورًا في الظلام، ورجاءً للذين ينتظرون خلاصه.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *