الكتاب المقدس

قصة الراعي الصالح في سفر حزقيال 34

**قصة راعٍ صالح: تفسير سفر حزقيال 34**

في الأيام التي ساد فيها الظلم وابتعد شعب إسرائيل عن طريق الرب، جاءت كلمة الرب إلى النبي حزقيال، لتحمل رسالة قوية وقاسية إلى رعاة إسرائيل. كانت تلك الأيام أيامًا مظلمة، حيث ترك الشعب وحيدًا يتخبط في الخطيئة والضياع، بينما الرعاة، الذين كانوا مسؤولين عن قيادتهم وهدايتهم، انشغلوا بأنفسهم وتركوا الخراف تتشتت.

### **الرعاة الأشرار وإهمالهم**

كان الرب غاضبًا على رعاة إسرائيل، لأنهم لم يكونوا رعاةً حقيقيين، بل كانوا كالذئاب الخاطفة. بدلًا من أن يرعوا الخراف، استغلّوها لأجل مصالحهم. كانوا يلبسون الصوف ويأكلون اللحم ويتركون الخراف جائعةً وعطشى. لم يهتموا بالضعفاء، ولم يشددوا السقيم، ولم يبحثوا عن الضال، بل حكموا بقسوة وبطش.

فقال الرب: **”ويل لرعاة إسرائيل الذين كانوا يرعون أنفسهم! أليس الرعاة يجب أن يرعوا الخراف؟ لكنكم أكلتم اللبن ولبستم الصوف وذبحتم السمين، ولم ترعوا الخراف!”** (حزقيال 34: 2-3).

لقد تسبّب إهمالهم في تشتت الخراف في كل الجبال والتلال، فأصبحت فريسةً للوحوش البرية والطيور الجارحة. لم يعد هناك من يحميها أو يبحث عنها، فسقطت في الهاوية.

### **دينونة الرب على الرعاة**

لذلك، أعلن الرب دينونته على هؤلاء الرعاة الأشرار. قال لهم: **”ها أنا ذا ضد الرعاة، وسأطالب خرافي من أيديهم، وأجعلهم يكفون عن رعي الخراف، فلا يرعى الرعاة أنفسهم بعد الآن، لأني أنقذ خرافي من أفواههم فلا تكون لهم طعامًا!”** (حزقيال 34: 10).

لقد حان وقت المحاسبة، فالرب لن يترك شعبه نهبًا للظلم. سينزع الخراف من بين أنياب الذئاب، وسيقطع الاتفاق بين الرعاة الأشرار والخراف البريئة.

### **الراعي الصالح يأتي**

لكن الرب لم يترك شعبه بلا رجاء. فقد وعد بأنه سيكون هو نفسه الراعي لخرافه. قال: **”ها أنا ذا أسأل عن خرافي وأفتقدها. كما يفتقد الراعي قطيعه يوم يكون بين خرافه المشتتة، هكذا أفتقد خرافي وأخلصها من جميع الأماكن التي تشتتت فيها في يوم الغيوم والظلام”** (حزقيال 34: 11-12).

سيجمعهم من بين الأمم، ويأتي بهم إلى أرضهم، إلى مراعي خضراء وجداول ماء عذب. لن يجوعوا بعد الآن، ولن يعطشوا، ولن تضربهم الشمس ولا الحر، لأن الرب نفسه سيكون ظلًا لهم.

**”أرعى خرافي في مراعٍ جيدة، وعلى جبال إسرائيل العالية تكون مراحلها. هناك ترقد في مراعٍ خصبة، وترعى في مرتفعات إسرائيل”** (حزقيال 34: 14).

### **العدل والرحمة**

ولن يكتفي الرب بإرجاع الخراف الضالة، بل سيشفي المصاب، ويعصب الجريح، ويقوي الضعيف. أما المتكبرون والظالمون، فسيدينهم. **”وأقضي بين شاةٍ وشاةٍ، بين الكباش والتيوس”** (حزقيال 34: 17). فالبعض من الخراف نفسها كانوا يظلمون إخوتهم، فيدوسون المراعي العشبية ويثيرون الماء العكر حتى لا يشرب البقية. لكن العدل الإلهي سينزل عليهم جميعًا.

### **المسيَّا الموعود به**

وفي نهاية الرؤيا، وعد الرب بإقامة راعٍ واحد، راعٍ من نسل داود، يكون أمينًا وقويًا وحكيمًا. **”وأقيم عليها راعيًا واحدًا يرعاها، وهو عبدي داود. هو يرعاها وهو يكون لها راعيًا. وأنا الرب أكون إلهها، وعبدي داود رئيسًا في وسطها. أنا الرب تكلمت”** (حزقيال 34: 23-24).

هذا الراعي هو المسيّا، الذي سيأتي ليكمل ما عجز عنه الرعاة البشر. سيكون ملكًا عادلاً، وسلامًا حقيقيًا لشعبه. **”وأقطع معهم عهد سلام، وأُنزع الوحوش الرديئة من الأرض، فيسكنون في البرية آمنين، وينامون في الغابات مطمئنين”** (حزقيال 34: 25).

### **ختام الرؤيا**

وهكذا، بعد الدينونة، تأتي البركة. بعد الظلام، يشرق النور. سيعيش الشعب في أمان وسلام، وسيعرفون أن الرب إلههم، وأنه لم يتركهم أبدًا. **”فتعلمون أني أنا الرب إلهكم معكم، وأنكم أنتم شعبي خرافي، وخراف مرعاي أنتم. أنا إلهكم، يقول السيد الرب”** (حزقيال 34: 30-31).

هكذا تكلم حزقيال بكلمة الرب، ليعطي رجاءً للشعب الضال، ويذكرهم بأن الله، في النهاية، هو الراعي الأمين الذي لا يخذل من يثق به.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *