الكتاب المقدس

قصة الشفاء والإيمان في إنجيل مرقس 7

**قصة الشفاء والإيمان: من إنجيل مرقس 7**

في أحد الأيام، بينما كان يسوع يعلّم في منطقة الجليل، اجتمع حوله جمع كبير من الناس، يأتون من كل مكان ليسمعوا كلماته ويشهدوا معجزاته. كان الفريسيون والكتبة يراقبونه بحذر، يبحثون عن أي خطأ يلصقونه به. وفي ذلك الوقت، رأوا بعض تلاميذه يأكلون خبزًا بأيدٍ غير مغسولة، فانتهزوا الفرصة ليتهموه.

تقدّم الفريسيون والكتبة إلى يسوع وسألوه بغطرسة: “لِمَ لا يَسيرُ تَلاميذُكَ حَسَبَ تَقليدِ الشُّيوخِ، بَلْ يَأكُلونَ خُبزًا بأيدٍ غَيرِ مَغسولَةٍ؟”

نظر إليهم يسوع بعينين حكيمتين مليئتين بالحزن، لأنه عرف نفاقهم. فأجابهم بصوت واضح وقوي: “حَسَنًا تَنبأَ إشَعياءُ عَنكُم أيُّها المُراؤونَ، كما هوَ مَكتوبٌ: ‘هذَا الشَّعبُ يُكرمُني بِشَفَتَيهِ، وأَمَّا قَلبُهُ فَبَعيدٌ عَنِّي. وَبَاطِلًا يَعبُدونَنِي، وَهُم يُعَلِّمونَ تَعاليمَ هِيَ وَصايا النَّاسِ.'”

ثم التفت إلى الجمع وشرح لهم بحكمة: “اسمعوا كُلُّكُم وَافْهَموا! لَيسَ ما يَدخُلُ الإنسانَ مِنْ خارِجٍ يُنَجِّسُهُ، بَلْ ما يَخرُجُ مِنْهُ!”

تساءل التلاميذ فيما بينهم عن معنى كلامه، فدعاهم يسوع وقال لهم: “أوَلا تَفهَمونَ أنَّ كُلَّ ما يَدخُلُ الإنسانَ لا يَقدِرُ أنْ يُنَجِّسَهُ؟ لأنَّهُ لا يَدخُلُ قَلبَهُ، بَلْ بَطنَهُ، ثُمَّ يَخرُجُ.” وهكذا أعلن لهم أن جميع الأطعمة طاهرة، لأن النجاسة الحقيقية ليست في الخارج، بل في القلب.

ثم واصل كلامه قائلًا: “لأنَّ مِنَ الدَّاخِلِ، مِنْ قُلوبِ النَّاسِ، تَخرُجُ الأَفكارُ الشِّرّيرَةُ: الزِّنى، الفِسقُ، القَتلُ، السَّرِقَةُ، الطَّمَعُ، الخُبثُ، المَكْرُ، النَّهمُ، الحَسَدُ، التَّجديفُ، الكِبرُ، الجَهلُ. جَميعُ هذِهِ الشُّرورِ تَخرُجُ مِنَ الدَّاخِلِ وَتُنَجِّسُ الإنسانَ.”

وبينما كان يسوع لا يزال يعلّم، وصلت إليه امرأةٌ أمميةٌ من أصل فينيقي سوري. سمعت عن معجزاته، فأتت إليه وسجدت عند قدميه، تتوسل إليه أن يشفى ابنتها التي تسيطر عليها روح نجس. لكن يسوع أجابها أولًا بكلام صعب: “دَعِي البَنينَ أولا يَشبَعونَ، لأنَّهُ غَيرُ حَسَنٍ أنْ يُؤخَذَ خُبزُ البَنينَ وَيُطرَحَ لِكِلابِ الحِجرةِ.”

لكن المرأة، بإيمان عظيم وتواضع، أجابته: “نَعم يا سَيِّدُ! وَلكِنَّ الكِلابَ تَأكُلُ تَحتَ المائِدَةِ مِنْ فُتاتِ البَنينَ!”

فاندهش يسوع من إيمانها وقال لها: “لأجلِ هذِهِ الكَلِمَةِ، اذهَبِي! قد خَرَجَ الشَّيطانُ مِنِ ابنَتِكِ!” فعادت المرأة إلى بيتها، فوجدت ابنتها مستلقية على السرير وقد تركها الروح النجس، فامتلأت قلبها بالفرح والشكر.

ثم غادر يسوع تلك المنطقة وتوجه إلى بحر الجليل، وصعد إلى جبل وجلس هناك. فأتاه أناس كثيرون، معهم مرضى وعاجزين، ووضعوهم عند قدميه. فشفاهم جميعًا، حتى تعجب الجميع وقالوا: “إنه يُحسِنُ كُلَّ شيءٍ! حتى الصُّمُّ يَسمَعُون، والعُجمُ يَنطِقونَ!”

وهكذا أظهر يسوع أن الإيمان الحقيقي والتوبة من القلب هما ما يرضيان الله، وليس الطقوس الخارجية. فالكلام الذي نطق به كان نورًا يضيء طريق الحق لكل من يسمع ويؤمن.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *