**قصة النبي حجي: مجد الهيكل العتيد**
في السنة الثانية من حكم الملك داريوس الفارسي، بينما كان الشعب اليهودي عائداً من السبي البابلي، أرسل الربُّ كلمته إلى النبي حجي ليبعث الأمل في قلوب الباقين في أورشليم. فقد كان الهيكل، بيت الرب العظيم، لا يزال خراباً بعد أن دمره البابليون سنوات طويلة مضت. وبينما كان الناس مشغولين ببناء بيوتهم وتحصين حياتهم، أهملوا بيت الله، فجاءت كلمة الرب إليهم على لسان حجي.
### **الرؤيا الأولى: التشجيع على البناء**
في اليوم الحادي والعشرين من الشهر السابع، وقف النبي حجي أمام الجماعة المتجمعة في ساحة الهيكل. كان الجو بارداً، والرياح تعصف بأوراق الأشجار اليابسة، وكأن الطبيعة نفسها تئن تحت ثقل الخراب. نظر حجي إلى الحجارة المحطمة والأعمدة المنهدمة، ثم رفع عينيه إلى السماء، وكلمه الرب قائلاً:
**”من بقي بينكم رأى هذا البيت في مجده الأول؟ وكيف ترونه الآن؟ أليس كلا شيء في أعينكم؟”**
كان هناك شيوخ قد عاصروا الهيكل الأول في أيام سليمان، فذكروا جماله وعظمته، الذهب اللامع، والرخام المصقول، ونقوش الكروبيم التي تزين الجدران. أما الآن، فلم يبقَ إلا أكوام من الحجارة السوداء، والتراب يغطي المكان. لكن الرب وعزهم تكلم مرة أخرى:
**”لكن شدّد أيها الزربابل، وشدّد أيها يشوع بن يهوصادق الكاهن العظيم. وشدّدوا يا جميع شعب الأرض، واعملوا، لأني معكم، يقول رب الجنود. لا تخافوا!”**
ثم ذكرهم الرب بعهده معهم عندما أخرجهم من أرض مصر، وبأن روحه ستظل بينهم. فتحركت قلوب الشعب، وعادوا إلى العمل بغيرة مقدسة، حاملين الحجارة، ومعدّين الأخشاب، ومجددين الذكريات القديمة بمستقبل وعد به الرب نفسه.
### **الرؤيا الثانية: النقاوة والبركة**
بعد شهر تقريباً، بينما كان العمال يكدحون في البناء، نزلت كلمة الرب على حجي مرة أخرى. هذه المرة طلب منه الرب أن يسأل الكهنة عن الشريعة، قائلاً:
**”إن حمل أحد لحمًا مقدسًا في طرف ثوبه، ثم مسّ بخبز أو طبيخًا أو خمرًا أو زيتًا أو أي طعام، هل يصير مقدسًا؟”**
فأجاب الكهنة: **”لا.”**
ثم سألهم الرب: **”إن مسّ أحد ميتًا، فصار نجسًا، ثم لمس شيئًا من هذه، أيتنجس؟”**
فأجابوا: **”يتنجس.”**
فأعلن الرب: **”هكذا هذا الشعب، وهكذا هذه الأمة أمامي، يقول الرب. وهكذا كل عمل أيديهم. وما قدّموه هناك فهو نجس.”**
كان الرب يريد أن يوضح لهم أنهم، رغم عودتهم من السبي، لم يتطهروا تماماً من خطاياهم السابقة. فعبادتهم كانت شكلية أحياناً، وقلوبهم لم تكن نقية بالكامل. لكن الرب، برحمته، وعدهم ببركة عظيمة إذا رجعوا إليه بكل قلوبهم:
**”فالآن اصنعوا من هذا اليوم فصاعداً خيراً في عيني الرب، وابتهجوا، لأني معكم، يقول الرب. من اليوم أبارككم.”**
### **الوعد الأخير: مجد الهيكل العتيد**
وفي اليوم الرابع والعشرين من الشهر نفسه، جاءت الكلمة الثالثة إلى حجي، موجهة إلى زربابل حاكم يهوذا:
**”قل لزربابل: سأزلزل السماوات والأرض، وأقلب عروش الممالك، وأبيد قوة ممالك الأمم. وأقلب المركبات وراكبيها، وتنزل الخيل وفرسانها، كل واحد بسيف أخيه.”**
كان الرب يعدهم بأنه سيهز كل القوى المعادية، وسيحمي شعبه. ثم أعطاهم الوعد الأعظم:
**”في ذلك اليوم، يقول رب الجنود، آخذك يا زربابل عبدي، وأجعل كخاتم، لأني اخترتك.”**
فهم الجميع أن الرب سيعيد مجد الهيكل، ليس بحجارة ذهبية فقط، بل بحضوره القدوس بينهم. فالهيكل الثاني، وإن بدا أقل روعة من الأول في العيون البشرية، سيكون أعظم لأنه سيحتضن مجد المسيا الآتي، الذي سيكون نوراً للأمم وخلاصاً لشعب الرب.
وهكذا، بقيادة النبي حجي، عادت همّة الشعب، وواصلوا البناء بإيمان، واثقين بأن الرب سيكمل عمله العظيم فيهم.