الكتاب المقدس

بولس الرسول وتضحيته العظيمة من أجل الإنجيل

**قصة بولس الرسول وتضحيته من أجل الإنجيل**

في مدينة كورنثوس العظيمة، حيث تلتقي الثقافات وتنتشر المعابد الوثنية، كان الرسول بولس يكرز بكلمة الرب بغيرةٍ لا تعرف الكلل. كان يعلم أن رسالته سماوية، مُوكَلة إليه من الرب نفسه، لكنه واجه تحدياتٍ كثيرة من بعض المؤمنين الذين شككوا في سلطانه كرسولٍ للمسيح.

وفي أحد الأيام، بينما كان بولس جالسًا في بيت أحد المؤمنين، تذكر كلمات الرب التي قالها له حين دعاه: “اذهب، فإنّي سأرسلك إلى الأمم البعيدة.” فامتلأ قلبه شجاعةً، وعزم أن يكتب إلى أهل كورنثوس ليُذكّرهم بحقّه كرسول، لكنه اختار ألا يستخدم هذا الحق، بل يضحّي به من أجل الإنجيل.

بدأ بولس يكتب برسالةٍ مليئة بالحكمة والروحانية: **”ألست أنا رسولاً؟ ألست حراً؟ أما رأيتُ يسوع المسيح ربنا؟ ألستم أنتم عمل الرب في الرب؟”** (1 كورنثوس 9: 1). كان يعلم أن بعضهم يشكّون فيه، فذكّرهم بتضحياته وآلامه من أجلهم.

ثم واصل قائلاً: **”أليس لنا سلطان أن نأكل ونشرب؟ أليس لنا سلطان أن نصحب أختاً زوجةً كباقي الرسل وأخوة الرب وصَفا؟”** (1 كورنثوس 9: 4-5). نعم، كان له الحق كرسولٍ أن يعيش من الكرازة، وأن يأخذ زوجةً مؤمنة تساعده في الخدمة كما فعل الآخرون. لكنه تنازل عن كل ذلك، لئلا يُثقل على أحد.

وتعمّق بولس في الشرح، مستشهداً بشريعة موسى: **”أمّا قرأتم في ناموس موسى: ‘لا تكمّ ثوراً دارساً’؟ ألعل الله تهمه الثيران؟ أم يقول هذا من أجلنا؟ نعم، من أجلنا كُتب، لأنّه ينبغي للحرّاث أن يحرث على رجاء، وللدارس على رجاء أن يكون شريكاً في رجائه.”** (1 كورنثوس 9: 9-10). لقد أوضح أن الخادم له حقّ العيش من خدمته، لكنه آثر أن يعمل بيديه، خياطاً للخيام، حتى لا يُعطّل أحداً عن قبول الإنجيل.

ثم سألهم بسؤالٍ قوي: **”فإن كنا قد زرعنا لكم الروحيات، أفَعَظيمٌ إن حصدنا منكم الجسديات؟”** (1 كورنثوس 9: 11). لكنه سرعان ما أكد أنه لم يستخدم هذا الحق، بل احتمل كل شيء لئلا يشكّك أحد في نواياه.

وتحت ضوء المصباح الخافت، استمر بولس في الكتابة بيدٍ مرتعشة من التعب، لكن بروحٍ متقدة بالإيمان: **”فإنّي إذ كنت أكرز بالإنجيل، فليس لي فخر، لأنّ الضرورة موضوعة عليّ. فويلٌ لي إن لم أُبشّر!”** (1 كورنثوس 9: 16). كان يشعر أن الكرازة بالإنجيل ليست مجرد اختيار، بل واجبٌ سماوي، وأن الأجر الحقيقي هو ربح النفوس للمسيح.

ثم ضرب لهم مثلاً عن الجهاد الروحي، فقال: **”ألستم تعلمون أن الذين يركضون في الميدان كلهم يركضون، ولكن واحداً يأخذ الجعالة؟ هكذا اركضوا لكي تنالوا.”** (1 كورنثوس 9: 24). أرادهم أن يجتهدوا في الإيمان كالعدّاء الذي يتدرب بصرامة، وكالملاكم الذي يضرب لا الهواء، بل يُخضع جسده ليكون مستعداً للنصرة.

وأخيراً، أنهى بولس كلامه بتحذيرٍ رائع: **”إذاً أنا أركض هكذا، كأنه ليس عن غير يقين. هكذا أُصارع، كأني لا أضرب الهواء. بل أقمع جسدي وأستعبده، حتى بعد ما كرزت للآخرين، لا أصير أنا نفسي مرفوضاً.”** (1 كورنثوس 9: 26-27). لقد أراد أن يبقى أميناً حتى النهاية، حتى لا يُبطل تعبه بعدما هدى الكثيرين إلى المسيح.

وهكذا، أرسل بولس هذه الرسالة إلى كورنثوس، ليعلمهم أن الخدمة الحقيقية ليست في المطالبة بالحقوق، بل في التضحية من أجل الآخرين، كما ضحّى المسيح من أجلهم. فالإنجيل أعظم من كل امتياز، والجعالة الحقيقية هي إكليل الحياة الذي أعده الرب لجميع الأمناء.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *