الكتاب المقدس

قصة أيوب وتأملاته في عظمة الله

**قصة أيوب والتأمل في عظمة الله**

في قديم الزمان، في أرض عوص، عاش رجلٌ صالحٌ اسمه أيوب. كان أيوب رجلاً كاملاً ومستقيماً، يتقي الله ويحيد عن الشر. لكن الله سمح بأن يُختبر أيوب في كل ما يملك، ففقد أبناءه وثروته وصحته. ومع ذلك، بقي أيوب ثابتاً في إيمانه، رغم الآلام التي لا تُحتمل.

وفي أحد الأيام، بينما كان أيوب جالساً على كومة من الرماد يحك جسده المتقرح بقطعة من الفخار، تذكر عظمة الله وقدرته، فانطلق لسانه بتأملات عميقة عن عدل الله وحكمته.

### **تأملات أيوب في عظمة الخالق**

رفع أيوب عينيه نحو السماء وقال:

“حقاً، أعلم أن الله عظيم، ولا يُجارى في حكمته. من يستطيع أن يُحاججه أو يقف أمام دينونته؟ هو يزيح الجبال فجأة، ويهزّ الأرض من أساساتها. إذا قال كلمة، تتدحرج الصخور وتتساقط كأوراق الخريف. هو يمسك الشمس فلا تشرق، ويختم على النجوم فلا تضيء. هو وحده يبسط السموات كالستار، ويسير على أعماق البحار كأنها أرضٌ ممهدة.”

ثم أدار أيوب وجهه نحو الصحراء الواسعة وتابع:

“هو خالق النسر والعنقاء، وهو الذي يُخرج الوحوش من مخابئها. إذا نظر إلى الأرض، ترتجف. إذا لمستها يده، تذوب الجبال وتتصدع. هو الذي يرسم مسار الكواكب، ويجعل الثريا والجبار تسبح في أفلاكها بحكمة لا تُدرك. أفلا يُرهبنا هذا الجلال؟ من يقدر أن يقف أمام قدوس مثل الله؟”

### **أيوب والاعتراف بضعفه**

ثم أطرق أيوب برأسه، وعيناه تفيضان بالدموع، وقال:

“إن حاولت أن أُحاجج الله، فلن أجد جواباً واحداً من ألف. هو أقوى مني، فمن ذا الذي يستدعيه إلى المحكمة ويُجبره على الإجابة؟ إنه يمرّ أمامي فلا أراه، ويعبر بجلاله فلا أشعر به. إذا اختطف شيئاً، فمن يمنعه؟ من يقول له: ماذا تفعل؟”

وتنهّد أيوب بحزن، ثم أضاف:

“الله لا يُسأل عما يفعل، أما نحن فتحت دينونته. حتى لو كنتُ باراً، فسأخاف من توبيخه. لو ناديتُه فأجابني، لا أصدق أنه يستمع لصوتي. هو الذي يسحقني بالعاصفة، ويجرحني بلا سبب. لا يتركني ألتقط أنفاسي، بل يملأني مرارة. إن كان الأمر بالجبروت، فهو الأعظم! وإن كان بالعدل، فمن يناظره؟”

### **أيوب يتضرع لله**

ثم رفع أيوب يديه المتقرحتين نحو السماء وصاح:

“يا رب، إن كنتُ مذنباً، فلماذا لا تغفر لي؟ وإن كنتُ بريئاً، فلماذا لا ترفع عني هذا البلاء؟ أنا ضعيف أمامك، فكيف أجادلك؟ لو اغتسلت بالثلج، وطهّرت يديّ بالنقاوة، لَغَمرتني الوحول حتى يُشمئز مني ثيابي!”

وأخيراً، سقط أيوب على وجهه، منهكاً من الألم، لكن قلبه كان ممتلئاً بتوقير الله، فقال:

“لا يوجد حَكَمٌ بيننا يضع يده على كِلَينا. ليرفع عني عصاه، فلا يُرعبني رعبه. عندئذٍ أتكلّم ولا أخاف، لأني لستُ هكذا في نفسي.”

وهكذا انتهى أيوب من تأملاته، وهو يعلم أن الله عادل وحكيم، لكن طريقه أعلى من طرق البشر، وأفكاره أعمق من أفكارهم. فاستسلم لأحكام الله، رغم أنه لم يفهم سبب آلامه، لأنه آمن بأن الرب صالح، وسيُظهر برّه في الوقت المناسب.

**وهكذا تعلّم أيوب أن يثق في الله، حتى في وسط الظلام.**

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *