**قصة يوسف وسجينَي فرعون: تفسير الأحلام في السجن**
في تلك الأيام، عندما كان يوسف الصدّيق لا يزال سجينًا في بيت سجن فرعون، بعد أن أُلقي به هناك ظلمًا بسبب تهمة باطلة من زوجة سيده، أرسل الرب حدثًا عجيبًا ليُظهر حكمته وقدرته.
وفي أحد الأيام، أُحضر إلى السجن رجلان من خدام فرعون المقربين: أحدهما رئيسُ السُقاة، والآخر رئيسُ الخبازين. كانا قد أُهينا من قبل الملك بسبب ذنبٍ ما، فغضب عليهما وأمر بحبسهما في نفس المكان الذي كان يوسف فيه. فوكلهما رئيسُ السجن إلى يوسف لخدمتهما، لأنه رأى فيه الأمانة والحكمة.
وبعد أيام من حبسهما، رأى كلٌ منهما في الليلة نفسها حلمًا عجيبًا، فاستيقظا مضطربين، لأن الحلم كان غريبًا ولم يفهما معناه. فلما دخَل عليهما يوسف في الصباح، وجدهما حزينين، فسألهما بلطف: **”لماذا وجهاكما اليوم مكتئبان؟”**
فأجاباه: **”رأينا كلانا حلمًا، وليس من يفسره لنا!”**
فقال لهما يوسف بتواضع وإيمان: **”أما تفسير الأحلام فهو لله. أخبراني بما رأيتما.”**
فتقدم رئيسُ السقاة أولًا وقال ليوسف: **”رأيت في حلمي كرمةً خضراء، وفيها ثلاثة أغصان. وما إن بدأت تورق حتى ظهرت عناقيدُ عنبٍ ناضجة. وكانت كأس فرعون في يدي، فأخذت العناقيد وعصرتها في الكأس، ثم وضعتها في يد فرعون.”**
فقال له يوسف بعد أن أعطاه الرب التفسير: **”هذا هو تفسير حلمك: الأغصان الثلاثة هي ثلاثة أيام. بعد ثلاثة أيام، سيرفع فرعون رأسك ويعيدك إلى منصبك، فتصبّ الخمر في كأسه كما كنت تفعل من قبل. ولكنني أطلب منك، عندما يتحقق هذا، أن تذكرني عند فرعون وتخرجني من هذا السجن، لأني أُخذت من أرض العبرانيين ظلمًا، ولم أفعل شيئًا يستوجب حبسي هنا.”**
فلما سمع رئيسُ الخبازين هذا التفسير الجيد، تشجع هو الآخر وروى حلمه ليوسف قائلًا: **”أما أنا فرأيت في حلمي ثلاثة سلالٍ من الخبز فوق رأسي. وفي السلة العليا، كان هناك كل أنواع الخبز الذي يعدّه الخبازون لفرعون، لكن الطيور كانت تأكلها من السلة فوق رأسي.”**
فأجابه يوسف بحزن، لأنه عرف أن التفسير ليس بخير: **”هذا هو تفسير حلمك: السلال الثلاثة هي ثلاثة أيام. بعد ثلاثة أيام، سيقطع فرعون رأسك ويعلقك على خشبة، فتأكل الطيور لحمك.”**
وحدث في اليوم الثالث، وهو يوم ميلاد فرعون، أن أقام وليمةً لجميع عبيده. فذكر رئيسَ السقاة ورئيسَ الخبازين بين سجناءه، فأمر بإحضارهما. فأعاد رئيسَ السقاة إلى منصبه، فعاد يصبّ الخمر لفرعون كما كان من قبل. أما رئيسُ الخبازين فقد أمر بصلبه، فتحقق تفسير يوسف تمامًا.
لكن رئيسُ السقاة، في فرحته بعودته إلى القصر، نسي يوسف ولم يذكره أمام فرعون. فبقي يوسف في السجن، لكن الرب كان معه، يهيئ له الطريق لتحقيق القصد الإلهي العظيم الذي كان ينتظره.
وهكذا، في ظل الظلم والنسيان البشري، كان الله يُدبر كل شيء بحكمته، ليُظهر مجده في الوقت المُعيّن.