**قصة مزمور ٤٢: عطش النَفس إلى الله**
في قديم الزمان، بين جبال حرمون الشامخة ووديانها العميقة، عاش رجل تقي اسمه ألياقيم. كان ألياقيم من سبط لاوي، خادمًا في هيكل الرب في أورشليم. أيامه كانت مملوءة بترانيم التسبيح، وصوته كان يرتفع مع جوقة اللاويين في حمد الله. لكنّ الأيام تغيرت، وجاءت عليه أوقات عصيبة.
فقد سقطت أورشليم في أيدي الأعداء، وهُدم الهيكل، وتبعثر شعب الله في المنفى. وجد ألياقيم نفسه بعيدًا عن مدينته الحبيبة، محاطًا بأقوام يسخرون منه قائلين: “أين إلهك الآن؟” في تلك الأرض البعيدة، بين الغرباء، شعر وكأنّ نسمة الرب قد ابتعدت عنه.
وفي إحدى الليالي، بينما كان جالسًا على ضفة نهرٍ بعيد، تذكر أيام المجد الماضية. رأى بعين قلبه الهيكل مشعًا بالنور، وسمع أصداء الترانيم التي كانت تملأ الأفنية. دمعت عيناه، وانهمرت الدموع على خديه كسيل جارف. صرخ في أعماقه: **”كَالْيَأْسِ عَلَيَّ نَفْسِي! لِذلِكَ أَذْكُرُكَ مِنْ أَرْضِ الأُرْدُنِّ وَجِبَالِ حَرْمُونَ مِنْ جَبَلِ مِصْعَر.”**
كان قلبه يتفطر شوقًا إلى الله، مثل الظبي العطشان الذي يبحث عن مجرى ماء حي وسط الصحراء القاحلة. تساءل في حزن: **”مَتَى أَجِيءُ وَأَتَرَاءَى قُدَّامَ اللهِ؟”** لكنّ الأيام مرت ثقيلة، والضيق ازداد.
وفي إحدى المرات، بينما كان سائرًا في الوادي المنخفض، رأى شلالات مياه تتدفق من أعالي الجبال، فتهوي بقوة وتنهمر في البحيرة الواسعة. توقف متأملًا، وكأنّ الرب يكلّمه من خلال صوت المياه: **”غَمْرٌ يُنَادِي غَمْرًا عِنْدَ صَوْتِ مِيَازِيبِكَ. كُلُّ تَيَّارَاتِكَ وَأَمْوَاجُكَ طَفَتْ عَلَيَّ.”**
تذكر ألياقيم أن الله، حتى في وسط العاصفة، هو ملجأه. نطق في قلبه: **”بِالنَّهَارِ يُوصِي الرَّبُّ بِرَحْمَتِهِ، وَبِاللَّيْلِ تَكُونُ عِنْدِي تَسْبِيحَةٌ، صَلاَةٌ لإِلَهِ حَيَاتِي.”**
لكنّ الشكوك عادت إليه، والظلام أحاط به. صرخ إلى الرب: **”لِمَاذَا تَنْسَى نَفْسِي وَتَحْزَنُ؟ لِمَاذَا يَضْطَهِدُنِي الْعَدُوُّ بِمُزْعَجٍ؟”** شعر وكأنّ عظامه تتكسر من الألم، وكأنّ أعداءه يضحكون على مصيبته.
لكنّ في أعماقه، كانت هناك شرارة إيمان لا تنطفئ. رفع عينيه نحو السماء، وقال: **”انْتَظِرِ اللهَ، فَإِنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ، خَلاَصَ وَجْهِي وَإِلَهِي.”**
ومع كلّ يوم جديد، كان ألياقيم يتعلم أن العطش إلى الله هو نعمة، لأنه يقود النفس إلى الينبوع الحقيقي. حتى في المنفى، في الوحدة، في الظلمة، كان الرب معه. فالله لم يترك نفسه تتضوّر جوعًا، بل أطعمها برجائه. ولم يدعها تموت عطشًا، بل سقاها من نهر فرحه.
وهكذا، عاش ألياقيم بتذكار دائم: **”كما يشتاق الإيل إلى جداول المياه، هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله. نفسي عطشى إلى الله، إلى الإله الحي. متى أجيء وأتراءى قدام الله؟”**
وفي النهاية، أدرك أن الله لا يُنسى أبدًا، وأنّ كل دموعه سيجمعها في قارورة، وكلّ صرخة سيجيب عليها في الوقت المناسب. فمهما ابتعدت النفوس، تبقى عائدة إلى الرب، لأنّ فيه وحده الحياة الحقيقية.